فرَّق العلماء بين الكراهية المبنية على سبب شخصي ، والكراهية المبنية على أساس ديني ، و بين أن يكرهه واحد أو يكرهه مجموعة فإن كانت الكراهية شخصية فلا يلتفت إليها ، وإن كانت الكراهة من أجل الدين فيتراوح حكم الإمام بين الكراهة التنزيهية لإمامته أو التحريمية .
هذه المسألة فيها تفاصيل كثيرة، حيث فرق الفقهاء بين العداوة التي تكون بين المأمومين والإمام بسبب الدنيا، والعداوة التي تكون بسبب نقص في ديانته، أو بسبب تمسكه بالديّن والسنة، كما فرقوا بين أن يكرهه واحد أو أثنان، وبين أن يكرهه أكثر القوم.
وقد وردت أحاديث عن النبي ﷺ بخصوص من أمّ قوماً وهم له كارهون، منها ما يصلح للاحتجاج ومنها ما لا يصلح له، ومما يحتج به ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: “ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمّ قوماً وهم له كارهون.. الحديث” قال العراقي: إسناده حسن. وكذلك قوله ﷺ: ” ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمامُ قومٍٍ وهم له كارهون” رواه الترمذي من حديث أبى أمامة وحسنه الألباني.
قال الشوكاني: (وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضاً فينتهض للاستدلال بها على تحريم أن يكون الرجل إماماً لقوم يكرهونه، ويدل على التحريم نفي قبول الصلاة وأنها لا تجاوز آذان المصلين ولعن الفاعل لذلك. وقد ذهب إلى التحريم قوم وإلى الكراهة آخرون).
وهذه أقوال بعض الفقهاء في ذلك:
قال في الدر المختار( من كتب الحنفية ): (ولو أمّ قوماً وهم له كارهون، إن كانت الكراهة لفساد فيه، أو لأنهم أحق بالإمامة منه، كره له ذلك تحريماً… وإن هو أحق لا. والكراهة عليهم).
وعند المالكية أنه تكره إمامته إذا كرهه أقل القوم غير ذوي الفضل منهم، وأما إذا كرهه كل القوم أوجلهّم، أو ذوو الفضل منهم وإن قلّوا فيحرم. هذا هو التحقيق عندهم كما قال الدسوقي.
ويتفق الشافعية والحنابلة على أنه يكره أن يؤم قوماً أكثرهم له كارهون. قال الإمام أحمد: إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهه أكثر القوم. المغني (2/57).
ولعل الراجح هو: أنه إن كان الإمام ذا دين وسنة فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته، وكذلك إذا كرهوه لأجل مشاحنة بينه وإياهم في أمر من أمور الدنيا. والصلاة خلفه صحيحة في الحالتين.
قال النووي: قال أصحابنا: وإنما تكره إمامته إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً، كوالٍ ظالم، وكمن تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها، أو لا يتصوّن من النجاسات، أو يمحق هيئات الصلاة، أو يتعاطى معيشة مذمومة أو يعاشر أهل الفسوق ونحوهم أو شبه ذلك. فإن لم يكن شيء من ذلك فلا كراهة، والعتب على من كره.