قال الله تعالى في شأن يَحيى عليه السلام حين بَشَّرَ به أباه زكريا عليه السلام:( وسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ويَوْمَ يَموتُ ويَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)(سورة مريم : 15) وقال على لسان عيسى عليه السلام حين خاطَب عيسى قومه ( والسّلام عليَّ يَوْمَ وُلدتُ ويَوْمَ أَموتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (سورة مريم : 33) .

إنّ كلاًّ من النبيِّين العظيمين عليهما سلام وأمان من الله، أو تحية ألقاها الله على كل منهما، لكن السلام على يحيى كان في مقام بشارة الله لأبيه به، مقدَّما قبل أن يولد، فهو سبحانه يحكي لزكريا صفات يحيى التي يكون عليها، والنعم التي أنعم بها عليه وقدَّرها قبل أن يولدَ، أو في مقام إخبار الله تعالى نبيه محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقصة زكريا ويحيى كما جاء في صدر سورة مريم:( ذِكْرُ رَحْمةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءُ خَفِيًّا) ومقام الإخبار يناسبه قول الله عن يحيى:(وسَلامٌ عليه) ويحيى لم يتكلّم بذلك حتى يقول: والسلام عليَّ.

أما سيّدنا عيسى فكان يتحدّث عن نفسه، مبينا لقومه ما مَنَّ الله به عليه حيث قال:( إنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا وجَعَلَنِي مُبارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ وأَوْصانِي بِالصّلاةِ والزّكاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وبَرًّا بِوالدِتي ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبًّارًا شَقِيًّا والسَّلامُ عَلِيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَموتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) ( سورة مريم : 30 ـ 33) .

هذا أحسن ما قيل في هذا الموضوع، وأما ما يروى أن عيسى عليه السلام قال ليحيى عليه السلام: أنت خير مني، لأن الله سلم عليك. فليس له سند يعتمد عليه، فكلاهما قد سلَّم الله عليه، وكما قال بعض المفسرين: إن السّلام المعرف بأل الذي قاله سيدنا عيسى عليه السلام هو السّلام المنكر، أي الخالي من ” أل ” الذي كان من الله على يحيى، وذلك على حد قولهم: إن المنكر إذا كرّر معرَّفًا كان هو هو، فَأَلْ للعهد.

إن الموضوع يتصل باللفظ أكثر مما يتصل بالمعنى، فإن كلاًّ من يحيى وعيسى قد حيّاه الله وأمَّنه وباركه، ونرجو أن نحظي بذلك إذا اتبعْنا ما جاء به الله:( الذِينَ آَمَنُوا ولَمْ يَلْبَسُوا إيْمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وهُمْ مُهْتدونَ) (سورة الأنعام : 82) .