جاء الإسلام ليطهر الناس من أوهام الشرك وأباطيله ، ومعرفة الغيب في عقيدة الإسلام لله وحده ، وأي إدعاء بمعرفتها ونشر ذلك على الناس؛ استخفاف بالعقول ، وضعف في الدين ، ولا يجوز تصديقها .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر-رحمه الله تعالى -:
من البِدَع التي يُراد بها تضليل الناس في عقائدهم، والضحك عليهم والسخرية بعقولهم تلك الأخبار والتنبؤات الكاذبة التي تُقال عن المستقبل على أساس أنها مُسْتمدة مِن حِسَاب النُّجوم والبروج ونحو ذلك.
ولا ريب أن إصرار الصحف على نشر هذا لإيهام الناس بأنه حق وإخبار عن المستقبل والحظ، و “البخت” فيه نوع من الاستخفاف بالقراء، وفيه تضليل لهم، وصرف لعقولهم عن فهم السنن الكونية والأوامر الإلهية التي جاء بها الدين.
إن الله ـ تبارك وتعالى ـ قد اختص ذاته بعلم الغيب والمستقبل، فقال ـ جل جلاله ـ في سورة الأنعام (الآية: 19): (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ ولَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
ويقول عز من قائل في سورة آل عمران: (الآيتان : 26 ـ 27):
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وُتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
ويقول سبحانه في سورة لقمان (الآية:34): (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْري نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبيرٌ).

ويقول النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: “من أتى عَرَّافًا فَسَأله عن شيء، فصدَّقه، لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا” وهذا نوع من التهديد والوعيد الإلهي، والعرَّاف هو مَن يضرب الرمل، أو يستنبئ الوَدَع، أو يتحدث عن”البخت”، أو يستخرج “الطالع”.
ويقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: “مَن صدَّق كاهنًا أو عرَّافًا فقد كَفَرَ بما أُنْزِل عَلَى مُحمد”. والكاهن هو الذي يدَّعي علم الغيب، أو القدرة على الإخبار بالأمور المستقبلة، أو الاطلاع على الأسرار، أو كشف ما في النفوس والضمائر؛ لأن الذي يعلم هذه الأمور عِلمًا حقيقيًّا مُطابقًا للواقع إنما هو الله ـ سبحانه ـ.
وتحريم هذا الادِّعاء لا يتنافى مع جواز التعلُّم لحقائق النجوم والأفلاك، ولذلك يقول بعض الأئمة: إن المنهيَّ عنه في الدين هو ما يدَّعيه المتنبئون من معرفة الحوادث المستقبلة، كنزول المطر وهبوب الريح، وتغيُّر الأحوال، وسقوط فلان، ونجاح فلان، زاعمين أنهم يعلمون ذلك بسير الكواكب وظهورها في بعض الأحيان، وهذا عِلْم استأَثَرَ الله بِهِ، وأما ما يُدرك عن طريق المشاهدة من علم النجوم الذي نعرف به الزوال وجهة القِبْلة، وكم مضى من الليل والنهار، وكم بقي “فذلك غير منهيٍّ عنه شرعًا”.أ.هـ

ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى -:
هذه التوقُّعات ظنون تتخلّف كثيرًا، والله وحده له العلم الشامل الكامل والصادق الدقيق، كما قال سبحانه: (ومَا تَدري نَفسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدًا ومَا تَدْري نَفسٌ بأيِّ أرضٍ تَموتُ إنَّ اللهَ عَليمٌ خَبيرٌ) (سورة لقمان : 34).
وقد حذّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من التصديق والتشجيع لهذه الوسائل الكاذبة لمعرفة المستقبل.
وفي الحديث الذي رواه مسلم “مَن أتى عرّافًا فسأله عن شيء فصدّقه لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا” والعرّاف كما قال البغوي: هو الذي يدَّعِي معرفة الأمور بمقدِّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها، وقيل: هو الكاهن الذي يخبِر عن بعض المضمَرات، فيُصيب بعضُها ويخطئ أكثرُها، ويزعم أن الجنَّ تخبره بذلك، وقد جاء في الكاهن حديث “مَن أتى كاهنًا فصدّقه بما قال فقد كفَر بما أنزل على محمد” رواه البزار بإسناد جيد قوي، والذي أنزل على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو حَصْر علم الغَيب في الله تعالى.
وما يُنشر في الصحف من الطوالع وحظوظ أصحابها يطلَق عليه اسم التّنجيم وجاء فيه حديث أبي داود وابن ماجه وغيرهما “مَن اقتبس علمًا من النُّجوم اقْتبس شعبة من السِّحر، زاد ما زاد” قال الحافظ: والمَنهي عنه من علم النجوم ما يدَّعيه أهلُها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزّمن كمجيء المطر وهبوب الرّيح وتغير الأسعار ونحو ذلك، ويزعمون أنّهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره، فأمّا ما يدرك من طَريق المشاهدة من علم النجوم والذي يُعرَف به الزوال وجهة القبلة، وكم مضَى من الليل والنهار، وكم بَقِيَ فإنّه غير داخل في النهي.
قال العلماء: من صِدْق هذه الطوالع واعتقد أنها تضُرُّ وتنفع بدون إذن الله، أو أن غير الله يعلم الغَيب فهو كافر. ومَن آمَن بأنها ظنِّيّة ولم يعتقد أنها تضرُّ وتنفع فهو مؤمن عاصٍ ينقص ذلك من حسناته.
وفي ذلك يقول الحديث الذي رواه الطبراني “مَن أتى كاهنًا فصدّقه بما يقول فقد بَرِئ ممّا أُنْزِلَ على محمد، ومن أتاه غير مصدِّق له لم تُقبل منه صلاة أربعين ليلة” والمُداومة على قراءة هذه الطوالع قد تجرُّ إلى أنه اطلاع حقيقي على الغَيب الخاصّ بالله تعالى، وهو حرام.