حديث (دخلت امرأة النار في هرة ) ، وهو على سبيل الحكاية، وليس على سبيل القطع بالحكم ، وإلا كان النبي ﷺ: من قتل هرة، دخل النار. فهو ﷺ يحكي شيئا أوحي إليه من غير القرآن.
وقتل الهرة لا يستوجب النار، وإن كان جرما عظيما، وإثما كبيرا، و مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام الداعية إلى الرأفة بالحيوان والرحمة به، والدعوة إلى إطعامه، وكثيرا ما وصى النبي ﷺ أصحابه وأمته بهذا المعنى.
بل وصل الأمر إلى إحداد آلة الذبح للحيوان المذبوح، وهذا يوضح منهج الإسلام في العناية والرحمة بالحيوان.
غير أن من قتل إنسانا لا يمكن الحكم عليه بدخوله جهنم قطعا، مع كونها كبيرة، والكبيرة لا تخرج صاحبها عن الملة، ولا تستوجب الخلود في النار، فكيف يكون قتل حيوان موجبا لدخول النار على الأبد.
وقد يكون الفعل موجبا للنار، غير أنه لا يحكم على صاحبه أنه في النار.
وليس من الصواب أن يحكم على الحديث بأنه ضعيف المتن ، ومن العجب أن يقوم بهذا طالب علم، مازال يبحث ويتعلم.
هل حديث دخلت امرأة النار في هرة صحيح:
من المقرر ألا يحكم بضعف حديث إن كان له تأويل.
و مع كون الحديث يحتمل ظاهره، إلا أن الأئمة أوجدوا له تخريجات عدة، من ذلك:
أن المراد هنا بالعذاب الحساب، لأنه كما جاء في الحديث:” من نوقش الحساب عذب”.
أو أن المرأة كانت كافرة، فعذبت بكفرها و تعذيبها للهرة.
قال الإمام ابن حجر في شرحه للحديث في البخاري:
وظاهر هذا الحديث أن المرأة عذبت بسبب قتل هذه الهرة بالحبس، قال عياض: يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بالنار حقيقة، أو بالحساب لأن من نوقش الحساب عذب.
ثم يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بكفرها وزيدت عذابا بسبب ذلك، أو مسلمة وعذبت بسبب ذلك.انتهى
كما أن شرع من قبلنا ليس ملزما لنا ، ما لم يتوافق مع ما جاء من أصول وقواعد في هذا الدين، وليس عندنا أن قتل الهرة يستوجب الخلود في جهنم، مع كون الفعل يوجب الإثم، بل التعزير إن رأى الحاكم ذلك.
معنى حديث دخلت امرأة النار في هرة:
كما يمكن حمل الحديث على الترهيب من إيذاء الحيوان، وكأن الرسول ﷺ يحذر من أن يكون هذا العمل من إيذاء الحيوان مع ما يصاحبه من قسوة في القلب داعية ألا يكتفي الإنسان بهذا، فيأتي من الأعمال التي توجب دخوله النار.
ولما كانت العجماوات والبهائم غير عاقلة، فكانت الشفقة واجبة عليها، فإذا نزعت الشفقة من قلب الإنسان على حيوان بهيم، فهي منه عن بني آدم أنزع.
و قد ذكر العلماء أن هناك علاقة بهذا الحديث، وحديث آخر، وهو حديث الرجل الذي أمر أولاده بحرقه، فلما كان الحساب، قال لله – وهو أعلم – أنه فعل هذا خوفا منه، فسيق هذا الحديث، لتتوازن الكفة، فلا ييأس رجل، ولا يتكل رجل.
والحديث الثاني أخرجه مسلم عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال “أسرف رجل على نفسه. فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال: إذا أنا مت فأحرقوني. ثم اسحقوني. ثم اذروني في الريح في البحر. فو الله! لئن قدر علي ربي، ليعذبني عذابا ما عذبه به أحد. قال ففعلوا ذلك به. فقال للأرض: أدي ما أخذت. فإذا هو قائم. فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك. يا رب! – أو قال – مخافتك. فغفر له بذلك”.
ثم ذكر الإمام مسلم حديث الهرة ، ثم قال : قال ابن شهاب الزهري: ذلك، لئلا يتكل رجل، ولا ييأس رجل.
ثم علق الإمام مسلم بقوله: معناه أن ابن شهاب لما ذكر الحديث الأول خاف أن سامعه يتكل على ما فيه من سعة الرحمة وعظم الرجاء. فضم إليه حديث الهرة الذي فيه من التخويف ضد ذلك ليجتمع الخوف والرجاء.انتهى
و خلاصة القول: إن الحديث صحيح السند والمتن، ولكن يجب أن يفهم على التأويلات المخرجة.