جاء في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي “ج1 ص111” في أوَّل كتاب أسرار الطهارة قوله: قال النبي ـ ﷺ ـ: “بُني الدِّين على النَّظافة” وقال ” الطهور نصف الإيمان”، وعلق العراقي على الأول فقال: لم أجدْه هكذا، وفي الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة “تنظَّفوا فإن الإسلام نظيف”، والطبراني في الأوسط بسند ضعيف جدًّا من حديث ابن مسعود: “النظافة تدعو إلى الإيمان”، وعلَّق على الثاني بقوْله بالرمز: رواه الترمذي من حديث رجل من بني سليم وقال: حسن، ورواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري بلفْظ “شطر”.
فاللَّفظ المذْكور في السؤال والجَاري على الألْسنة ليس واردًا عن النبي ـ ﷺ ـ، وإنما الوارد عنه تقدير النظافة بعبارات أخرى.
ولا شك أن النظافة لها تقديرها الكبير في التشريع الإسلامي؛ لأنها من العوامل الأساسية في المحافظة على الصحة التي هي من أكبر نعم الله على الإنسان كما صحَّ في الحديث: “نِعْمتانِ مغْبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ” رواه البخاري.
وللنظافة مجالات كثيرة.
ففي النظافة البدن شَرع الوضوء للصلوات الخمس في اليوم والليلة، بما فيه من تعهُّد للأعضاء التي يَكْثُر تعرُّضها للتلوث، وبما فيه من حثٍّ على العناية بالاستنشاق والمضمضة مع استعمال السِّواك وتأكيد استحبابه، وشَرع الغسل لأسبابه المعيَّنة، ونَدَبَه في مناسبات عدَّة، وبخاصة عند الاجتماع والازدحام، كما في صلاة الجمعة والعيدين، وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: “حقٌّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا، يَغسل فيه رأسه وجسده”، وروى مسلم حديث: “إنَّ الله جميل يُحب الجمال”، ونَدَبَ إلى التزيُّن والتعطُّر وحُسن الهِنْدام وتَسْوية الشَّعر وقصِّ الأظافر وإزالة شعر الإبِطَين والعانة وما إلى ذلك من ضروب النظافة.
وشَرع غَسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده، وعدم غَمْسهما في الماء قبل غَسلهما إذا استيقظ من نومه فإنه لا يدري أين باتت يدُه – وبخاصة مَن يَنامون في العَرَاء ويفترشون الرمال بجوار الإبل والحيوانات الأخرى – وحذَّر من النوم قبل غَسل اليدين من أثر الطعام وبخاصة إذا كان فيه دَسَم تَجذِب رائحتُه الهوامَّ والحشرات فتَضرُّه، وكل ذلك وردت به الأحاديث.
وفي نظافة المَلْبس والمسْكن والشارع والأمكنة العامة يقول سبحانه: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)(سورة المدثر:4)، وباب النجاسات وإزالتها واشتراط طهارة الثوب والمكان في الصلاة واضح ومُفصَّل في كُتُب الفقه.
وفي الحديث: “أصْلحوا رِحَالَكم ولِبَاسكم حتَّى تَكُونوا فِي النَّاس كأنَّكم شَامَةٌ” رواه أحمد. وفي مسند البزَّار أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “إنَّ الله طيِّبٌ يُحبُّ الطَّيِّب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظِّفوا أفْنَاءكم وساحاتِكم، ولا تَشَبَّهوا باليهود يَجْمعون الأكب في دورهم”، الأكب: الزبالة، وإصلاح الرِّحال أي المساكن عام يشمل كنْسها وتهْويتها وتعريضها للشمس وتطهيرها من الحشرات المُؤْذية وما إلى ذلك.
وحثَّ الإسلامُ على إماطة الأذى عن الطريق وعَدِّها صدَقة كما رواه البخاري ومسلم، وفي الحديث: “اتَّقوا الملاعن الثلاث، البُراز على قارعة الطريق، وموارد المياه، ومواقع الظل” رواه ابن ماجه وأبو داود، ونَدَب إلى تغطية أواني الطعام والشراب، حِفظًا لها من التلوث أو الفساد بما يَنْقُلُه الرِّيح أو الذُّباب مثلًا كَمَا رواه مسلم.
هذه بعض التَّشْريعات التي تدلُّ على عناية الإسلام بالنظافة في كل شيء وليست النظافة في الماديات فقط بل في المعنويات أيضًا من العقائد والأفكار والأقوال والأفعال والضمائر والنيات وما إليها.
والذين يُهملون فيها مُخطِئون، لا نُحِب أن يكونوا كالذين يؤمنون ببعض الكِتَاب ويكفرون ببعض، ولا نَنْسى في هذا المجال حُرْمة تلويث البيئة بأي ملوِّث حتى بالرائحة الكريهة، كالدُّخَان والثَّوْم والبَصَل والعَرَق، وحتى بالأصوات المُزْعِجة المُقْلِقة للرَّاحة ولو كانَت بذكر الله، وكل ذلك وَرَدَتْ به الآثار، والمُقصرون مخطئون.