حديث “إياكم والغُلُوَّ في الدينِ ، فإِنَّما هلَكَ مَنْ كانَ قبلَكُم بالغُلُوِّ في الدينِ”صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده ، والنسائي وابن ماجة في سننهما ، ورواه الحاكم في المستدرك. والذي رواه هو سيدنا عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حبر الأمة وترجمان القرآن . وفيه تحذير من الغلو في الدين بمعنى الخروج عن حدود الشرع بما يرهق ويشق على النفس ، كتحريم الحلال ، أو إيجاب ما لم يجب ، أو إلزام النفس بما لا تطيق .

هل حديث إياكم والغلو في الدين صحيح؟

يقول الشيخ إبراهيم جلهوم-رحمه الله تعالى- شيخ المسجد الزينبي بالقاهرة:
راوي هذا الحديث الشريف هو عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقد ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ولقب بترجمان القرآن لكثرة معرفته بمعانيه. وكان يسمى البحر لغزارة علمه، وصح أن النبي ـ ـ دعا له فقال: “اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل” واستجاب الله دعاء نبيه ـ ـ فكان ابن عباس فقيها بحق، مفسرا لكتاب الله بصدق، وقد روى له ألف وستمائة حديث، وتوفي بالطائف وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وصلى عليه محمد بن الحنفية ـ رضي الله عنه ـ وقال: مات والله اليوم خير هذه الأمة.

وتجد هذا الحديث الشريف ـ أيها المسلم ـ في مسند الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وفي سنن النسائي وابن ماجة وفي المستدرك للحاكم، وفي الكنز الثمين في أحاديث النبي الأمين، لأبي الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الحسني، وهذا الكنز اشتمل على أكثر من أربعة آلاف حديث كلها دائرة بين الصحيح والحسن.

ما هو معنى إياكم والغلو في الدين؟

وأما معنى هذا الحديث الشريف، فإن فيه تحذيرا من الغلو في الدين لما يؤدي إليه الغلو من هلاك وفساد لدنيا الغالي وأخراه، فمن غلا في شيء جاوز الحد فيه، ومن جاوز الحد في الأكل هلكت صحته، ومن جاوز الحد في الشرب تلفت عافيته، ومن جاوز الحد في الملبس ضاعت أمواله، ومن جاوز الحد في شبابه جار على شيخوخته، وكذلك من جاوز الحد في الدين هلك هلاكا شديدا، فالدين شرعة الله لعباده، التي ارتضاها لهم، فجعلها سهلة ميسرة، سمحة حنيفية.

ومن أخذ نفسه بسماحة الدين ويسره، فمؤمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد ـ ـ نبيا ورسولا، ومن شدد في غير موضع التشديد فمتنطع هالك، فقد قال ـ : “هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون” رواه مسلم، وقال ـ : “إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وابشروا” رواه البخاري.