هذا الحديث رواه البخاري بعدة روايات كما جاء في كتاب ” زاد المعاد ” لابن القيم، ووضح معناه بما نقله عن المازري من أن الأمراض الامتلائيّة إما أن تكون دمويّة أو صفراويّة أو بلغميّة أو سوداويّة، فإن كانت
دمويّة فشفاؤها إخراج الدم ، وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية فشفاؤُها بالإسهال الذي يَليق بكل خلط منها، وكأنه ـ صلّى الله عليه وسلّمَ ـ نبّه بالعسل على المسهلاتِ، وبالحِجامة على الفَصْد.
وقد قال بعض الناس: إن الفَصد يدخل في قوله: ” شَرطَة مِحجم ” فإذا أعْيا الدواء فآخِر الطِّبِّ الكَيُّ ، فذكره صلّى الله عليه وسلم في الأدوية لأنّه يستعمل عند غلبة الطِّباع لقوي الأدوية وحيث لا ينفع الدواء
المشروب، إلى آخر ما قاله ابن القيم عن المازري.
ومنه نرى أن العلاج ليس مقصورًا على هذه الأشياء المذكورة في الحديث، فهي وسائل لعِلاج أنواع من المَرض وليس كل الأمراض، وفي الوقت نفسِه هي أمثلة ونماذِج لغيرها من الأدوية، وليسَ
المقصود حصرُها ومنع غيرها، وهذا واضح من تعبير المازري: وكأنّه نبه بالعسل على المسهلات ، وبالحِجامة على الفَصْد. فأي دواء يُفيد في هذا المَجال ويؤدِّي إلى النتيجة المطلوبة فهو جائز الاستعمال، وليست الأمراض محصورة فيما جاء في الحديث، وكذلك ليست الأدوية محصورة أيضًا، فالعالم يتغيّر والكون فيه أسرار يكتشفها العلم الذي يتطوّر.
ولا يجوز أبدًا تحريم العلاج بغير ما ذكر في الحديث فذلك حكم على الدين بالعقم والتخلُّف، وكيف لا وهو صالح لكل زمان ومكان، وجاء في الحديث الأمر بالتداوِي ، فإن الله لم يَضع داء إلا وضع له دواء كما
رواه الترمذي، وكما في الصحيحين ” ما أنزلَ اللهُ من داء إلا أنزلَ له شفاءً ” .