روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “إذا التقى المسلمانِ بسيفَيْهما فالقاتل والمقتول في النار” قلت: يا رسول الله هذا القاتِل فما بالُ المقتول؟ قال: “إنّه كان حريصًا على قتل صاحبه” قال النووي في شرحه “صحيح مسلم ج 18 ص 11

” كون القاتل والمقتول من أهل النار محمولٌ على مَن لا تأويل له، ويكون قتالُهما عصبيّة ونحوها… ثم قال: واعلم أن الدّماء التي جرتْ بين الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ داخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السُّنّة والحقُّ إحسان الظَّنِّ بهم والإمساك عمّا شجر بينهم وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأوِّلون لميقصدوا معصيةً ولا محضَ الدّنيا ، بل اعتقد كل فريق أنه المُحِقُّ ومخالِفه باغٍ، فوجب عليه قتاله ليرجِعَ إلى أمر الله وكان بعضهم مُصيبًا وبعضهم مخطئًا معذورًا في الخَطأ؛ لأنه بالاجتهاد، والمجتهِد إذا أخطأ لا إثمَ عليه، وكان عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ هو المُحِقَّ المُصيبَ في تلك الحروب.

هذا مذهب أهل السُّنّة وكانت القضايا مُشتبهة، حتى إنّ جماعة من الصحابة تحيّروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتِلوا ، ولم يتيّقنوا الصواب ثم تأخّروا عن مساعدتِه منهم. انتهى.

 
ونقل الشوكاني “نيل الأوطار ج 7 ص 50” عن الحافظ ابن حجر ما يتَّفق مع ما ذكره النووي، وذكر ما أخرجه البزار في رواية “إذا اقْتتلْتُمْ على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار” ويؤيِّده ما أخرجَه مسلم بلفظ “لا تذهب الدُّنيا حتَّى يأتيَ على الناس زمان لا يَدري القاتل فيمَ قَتَلَ ولا يدري المقتولُ فيمَ قُتِلَ” فقيل كيف يكون ذلك؟ قال “الهَرْج، القاتل والمقتول في النّار

قال القرطبي : فبيّن هذا الحديث أن القاتل إذا كان على جَهْل من طلب دنيا أو اتباع هوى فهو الذي أُريد بقوله “القاتل والمقتول في النّار” قال الحافظ: ومن ثَمّ كان الذين توقّفوا عن القِتال في الجَمل وصِفِّين أقلّ عددًا من الذين قاتلوا، وكلُّهم مأجور إن شاءَ الله ، بخِلاف مَن جاءَ بعدهم ممّن قاتَل على طلب الدُّنيا.

هذا، وقد حمل بعض العلماء الحديث على مَن استحلّ ذلك، ويؤيّد أن الوعيد هو لمَن قاتَل للدُّنيا وليس لله، حديث رواه مسلم “مَن قاتل تحت راية عُمية فغضِب لغَضَبه، أو يدعو إلى عصبيّة، أو ينصُر عصبيّته فقتل فقتلة جاهلية” والعُمية هي الجَهل.