الناس في حدود النظر للمخطوبة متناقضين. ففريق من الناس لا يبيح للفتى مجرد رؤية الفتاة المخطوبة فحسب، بل يبيح له أن يتأبط ذراعها، وأن يذهب بها إلى هنا أو هناك، وأن يدخل بها الأحفال والسينمات، ليعرفها ويختبر أخلاقها.. إلى آخر ما يقال في هذا المجال: وبعد ذلك تكون مآس وتكون فضائح فقد يترك الفتى الفتاة بعد أن دخل عليها وخرج بها أمام الناس. دخل بيتها وخرج معها وسافر معها وتنزه معها، هنالك يصبح عرض الفتاة مضغة للأفواه. هذا صنف من الناس، من عبيد الحضارة الغربية.
وفي مقابل هؤلاء صنف آخر: أولئك الذين يحرمون على الخاطب أن يرى الفتاة مجرد رؤية عابرة، يمنعون الفتاة من خاطبها حتى يدخل وحتى يبنى بها ويتزوج. وهؤلاء هم عبيد تقاليد عتيقة أيضا، كما أن أولئك عبيد تقاليد محدثة مبتدعة وكلا الطرفين مذموم.
والأفضل من ذلك بل الطريق الصحيح بين هؤلاء وهؤلاء، هو ما جاء به الشرع وما أمر به النبي ﷺ أن يرى الخاطب مخطوبته، فقد جاءه أحد المسلمين يقول: إني خطبت امرأة من الأنصار فقال: أنظرت إليها؟ قال: لا قال: انظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا.
وجاء المغيرة بن شعبة يستأذن النبي ﷺ أو يخبره بأنه خطب امرأة فقال: أنظرت إليها؟ قال: لا قال: انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما. أي يحصل بينكما الإدام والائتلاف والوفاق.
فالعين بريد القلب ورسول العاطفة… لابد أن تحدث رؤية قبل الزواج، وهذا أمر من النبي ﷺ، والأمر في أصله وفي ظاهره للوجوب، وقال النبي ﷺ ما معناه: إذا خطب أحدكم المرأة وأراد أن يتزوجها فلينظر بعض ما يدعوه إلى زواجها، فمن هنا كان للخاطب بل ينبغي له أن يرى مخطوبته وينبغي لأهل الفتاة أن ييسروا له ذلك، حتى يراها وحتى تراه هي أيضا، فمن حقها أن ترفض ومن حقها أن تأبى. لابد أن يرى أحدهما الآخر قبل الزواج، حتى تبنى الحياة الزوجية على أسس وطيدة وعلى أركان سليمة متينة، لابد من هذا وذاك، ليس علم الفتاة ولا علم أهلها شرطا في ذلك، وإذا كان الخاطب يريد مخطوبته، فيستطيع أن يراها دون أن يعلمها حتى لا يجرح شعورها وحتى لا يؤذي إحساسها، فبعض الناس يستهترون بذلك حتى سمعت من بعضهم أنه رأى أكثر من عشرين فتاة ولم تعجبه واحدة منهن حتى تزوج، معنى ذلك أنه جرح إحساس أكثر من عشرين فتاة من فتيات المسلمين، فالأولى أن يراها وهي خارجة أو في بيت قريب لها دون أن تعلم من هذا ولا ما هذا. ولقد جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال في امرأته بعد أن تزوجها: “لقد كنت أتخبأ لها تحت شجرة حتى رأيت منها ما دعاني إلى زواجها” كان يتخبأ لها تحت شجرة دون أن تعلم ودون أن ترى.
ويستطيع الأب أن يساعد في ذلك حفاظا على شعور ابنته. هذا هو الطريق السليم بين المفرطين والمفرطين وشرع الإسلام دائما هو الوسط، وأمة الإسلام أمة وسط، (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) وأمر الأسرة المسلمة بصفة عامة، أمر المرأة المسلمة ضائع بين المفرطين والمفرطين، بين المتشددين المتزمتين الذي يحرصون على تقاليد عتيقة يظنونها من الإسلام وليست من الإسلام، وبين العصريين المتحررين المتجددين الذين تعبدوا للغرب ولحضارة الغرب وظنوا أنفسهم تقدميين وما هم بالتقدميين وإنما هم عبيد وأسارى لغيرهم. أما الطريق الوسط والطريق السديد فهو طريق الإسلام، وطريق الشريعة الإسلامية وهي بين هؤلاء وهؤلاء.