معلوم أنه لا يُعتد بدين بعد مجئ الإسلام، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران : 85).
والجنة لا يدخلها بعد مَجئ الإسلام إلا مَن آمن بالإسلام ما دام قد بَلَغَتْهُ دعوة الإسلام، ولم يُؤْمِن به، والأعمال الصالحة لغير المُسلم لا ثواب عليها في الآخرة، قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (سورة الفرقان : 23).
وقال في حق المنافقين (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ) (سورة التوبة : 53).
هل ينتفع الكافر بعمله الصالح:
يثاب الكافر على عمله الصالح في الدنيا فقط كما جاء في القرآن والسنة:
-قال تعالى مُخْبِرًا عن الكافرين : (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ . وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (سورة الشعراء : 100ـ101).
-قال تعالى: (ومَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (سورة الإسراء : 19).
-روى مسلم أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت للنبي ـ ﷺ ـ : إن ابن جُدعان كان في الجاهلية يصلُ الرَّحم ويُطعم المِسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: “لا ينفعه إنه لم يقُل يومًا ربِّ اغفر لي خَطيئتي يومَ الدِّين”.
-يقول القُرطبي في تفسيره (ج 8 ص 161) رُوي عن أنس أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “إنَّ اللهَ لا يظلم مُؤمنًا حَسنة يُعطى بها في الدنيا ويُجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطْعَمُ بحسنات ما عَمِلَ لله بها في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يُجزى بها” فالإيمان شرط للثواب في الآخرة.
-وقد يُعترض على إحباطِ عمل الكافر بحديث رواه مسلم أن العباس قال للنبي ـ ﷺ ـ إنَّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال “نَعَمْ وَجَدته في غَمَرَات من النار فأخرجته إلى ضَحْضَاح” وأُجيب عنه: بأن تخفيف عذاب أبي طالب كان بشفاعةٍ، أما غيره فقد أَخبر عنه القرآن بقوله: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (سورة المدثر: 48).
-وقد روى مسلم عن أبي سعيد الخُدْري أنَّ رسول الله ـ ﷺ ـ ذُكِرَ عنده عَمه أبو طالب فقال: “لعلَّه تَنْفُعُه شفاعتي يوم القيامة فيُجْعَل فِي ضَحْضَاحٍ من النار يبلُغ كَعْبَيْه يَغْلِي منه دِماغه” ومن حديث العباس “ولولا أنا لكان في الدَّرْكِ الأسفَلِ من النَّار”.
هل تقبل أعمال الكافر إذا أسلم:
لو أسلم الكافر ومات على الإسلام
-قال بعض العلماء: يُرجَى أن يُثِيبَه الله في الآخرة على الحسنات التي فعلها وهو كافر.
-فقد روى مسلم عن حكيم بن حِزام أنه سأل الرسول ـ ﷺ ـ عن الصَّدقَة والعِتق وصلةِ الرَّحِم التي كان يتعبَّد بها في الجاهلية فقال له: “أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنَ خَيْرٍ”.
-ورأي بعض العلماء أنه لا يُثاب، وقول النبي ـ ﷺ ـ هذا معناه أن الأعمال الخَيِّرة التي عملتها في الجاهلية تدُل على أن مَعْدنك طيب وأن فيك خيرًا، وهذا الخير هو الذي قَادَكَ إلى الإسلام، فالعبارة مُحْتملة وليس فيها تصريح بأن حسناتِ الكافر قبل إسلامه يُثاب عليها عند الله، والذي يَقْصُدُ بعمله دنيا يصيبُها ماديًا أو أدبيًا ولا يريد وجْهَ الله يُحْرَم من ثواب الآخرة سواءٌ أكان مُسلمًا أم غير مُسلم، لعموم قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارَ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (سورة هود: 15، 16).
-وقوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (سورة الشورى: 20).
-وقوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) (سورة الإسراء : 18).
-وحديث… الثلاثة الذين تُسَعَّر بهم النار معروف رواه مسلم، وهم المُجاهد الذي قَصَدَ أن يُقال إنَّه شجاع، والكريم الذي قَصَدَ أن يُقال إنه كريم، والعالم الذي قَصَدَ أن يُقال إنَّه عالم، وقد قيل: ثم يُسحَبون عَلى وجُوهِهِم ويُلْقون في النار “راجع ص 274 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى”.