ترك التركة ليتم توزيعها بعد الموت على حسب قانون الله في الميراث أولى، وتوزيع التركة قبل الممات كرهه الإمام أحمد بن حنبل، وأما عن كيفية التوزيع بين الذكور والإناث فمما اختلف فيه العلماء ، فمنهم من ذهب إلى أن الأصل وجوب التسوية بين الذكور والإناث، ومنهم من ذهب إلى أن الذكر يعطى مثل حظ الأنثيين، وهذا الرأي الأخير هو الراجح.
يقول ابن قدامة في المغني:
قال أحمد بن حنبل : أحب أن لا يقسم ماله، ويدعه على فرائض الله تعالى، لعله أن يولد له، فإن أعطى ولده ماله، ثم ولد له ولد، فأعجب إلي أن يرجع فيسوي بينهم . يعني يرجع في الجميع، أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد منهم ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث، ليساوي إخوته.
فإن كان هذا الولد الحادث بعد الموت، لم يكن له الرجوع على إخوته، لأن العطية لزمت بموت أبيه، إلا على الرواية الأخرى، التي ذهب إليها أبو عبد الله بن بطة ولا خلاف في أنه يستحب لمن أعطي أن يساوي أخاه في عطيته، ولذلك أمر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، قيس بن سعد، برد قسمة أبيه ليساووا المولود الحادث بعد موت أبيه. انتهى.
ومعنى هذا أن توزيع التركة بين الأولاد ليس حراما، لكنه مكروه.
وجاء في كتاب المغني لابن قدامة عن كيفية العدل بين الذكور والإناث:
التسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث , فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وبهذا قال عطاء، وشريح، وإسحاق، ومحمد بن الحسن. قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده : ارددهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه. وقال عطاء : ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المبارك : تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر، لأن النبي ﷺ قال لبشير بن سعد : ” سو بينهم . وعلل ذلك بقوله { : أيسرك أن يستووا في برك ؟ . قال : نعم . قال : فسو بينهم } . والبنت كالابن في استحقاق برها، وكذلك في عطيتها . وعن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ { : سووا بين أولادكم في العطية , ولو كنت مؤثرا لأحد لآثرت النساء على الرجال } . رواه سعيد في ” سننه ” . ولأنها عطية في الحياة، فاستوى فيها الذكر والأنثى، كالنفقة والكسوة . ولنا أن الله تعالى قسم بينهم، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وأولى ما اقتدى بقسمة الله، ولأن العطية في الحياة أحد حالي العطية، فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين، كحالة الموت . يعني الميراث يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت، فينبغي أن تكون على حسبه، كما أن معجل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها، وكذلك الكفارات المعجلة، ولأن الذكر أحوج من الأنثى، من قبل أنهما إذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر، والأنثى لها ذلك، فكان أولى بالتفضيل، لزيادة حاجته، وقد قسم الله تعالى الميراث، ففضل الذكر مقرونا بهذا المعنى فتعلل به، ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة . وحديث بشير قضية في عين , وحكاية حال لا عموم لها، وإنما ثبت حكمها فيما ماثلها، ولا نعلم حال أولاد بشير، هل كان فيهم أنثى أو لا؟ ولعل النبي ﷺ قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر. ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى. ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء، لا في صفته، فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه وكذلك الحديث الآخر، ودليل ذلك قول عطاء : ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى. وهذا خبر عن جميعهم، على أن الصحيح من خبر ابن عباس أنه مرسل.