التسليم بقضاء الله، يلقي على القلب سكينة وطمأنينة، أما الجزع فيجلب على الإنسان الهم والغم لدرجة تمنيه الموت لعدم رضاه بقدر الله، وواجبنا أن نحسن الأدب مع الله، ومن ثم فلا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت لضر أصابه، إلا إذا خاف العبد على نفسه الفتنة في دينه فيندب له حينئذ أن يتمنى لقاء الله، وكذا من سأل الله الشهادة في سبيله.

وفي هذا الصدد يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

لا ينبغي للمسلم أن يتمنى الموت إذا ضاقت به الدنيا، وهجمت المشكلات عليه، وزادت همومه؛ لأن في تمني الموت نوع من الاعتراض على قدر الله سبحانه وتعالى، بل الواجب على المسلم أن يفوض أمره إلى الله سبحانه وتعالى.

-وقد ثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنها أن النبي قال: “لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي” رواه البخاري ومسلم .

-وقال أنس رضي الله عنه: “لولا أن رسول الله قال: “لا يتمنين أحدكم الموت ” لتمنيته. رواه مسلم .

-عن قيس بن أبي حازم قال دخلنا على خباب رضي الله عنه وقد اكتوى سبع كيات في بطنه فقال: [لولا أن رسول الله نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به] رواه مسلم .

-وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله :” لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً ” رواه مسلم .

-وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: “لن يدخل أحداً عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة . فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً وإما مسيئاً فلعله يستعتب ” رواه البخاري .

أي يطلب الرضا من الله بالإقلاع والاستغفار ويطلب إزالة العتاب .

-وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ” لا تدعوا بالموت ولا تتمنوه فمن كان داعياً لا بد فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ” رواه النسائي.

وقد قال جماعة من أهل العلم إن النهي عن تمني الموت خاص بما كان سببه الأمور الدنيوية كالفقر، والمرض، وفقد عزيز ونحو ذلك، وأما إذا تمنى الإنسان الموت خوفاً من فتنة في دينه فيجوز ذلك.

قال الإمام النووي :[ قوله :” لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنياً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ” فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض، أو فاقة، أو محنة من عدو، أو نحو ذلك من مشاق، فأما إذا خاف ضرراً في دينه، أو فتنة فيه، فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث وغيره وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في دينهم] شرح النووي على صحيح مسلم 6/179 .

وما أشار إليه النووي من تمني بعض السلف للموت ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: [اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط] رواه مالك في الموطأ . وقال العلامة ملا علي القاري :[ وقد أفتى النووي انه لا يكره تمني الموت لخوف فتنة دينية بل قال : إنه مندوب .

ونقل عن الشافعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهما : وكذا يندب تمني الشهادة في سبيل الله لأنه صح عن عمر وغيره بل صح عن معاذ أنه تمناه في طاعون عمواس ومنه يؤخذ تمني الشهادة ولو بنحو الطاعون وفي مسلم : من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه ويندب أيضاً تمني الموت ببلد شريف لما في البخاري أن عمر رضي الله عنه قال : اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي ببلد رسولك فقال بنته حفصة : أنى يكون هذا ؟ فقال يأتي به الله إذا شاء . أي : وقد فعل فإن قاتله كافر مجوسي ] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 4/67 .

وخلاصة الأمر أنه يكره للإنسان أن يتمنى الموت لضر دنيوي نزل به وعليه أن يصبر ويحتسب .