ليس من منهج الإسلام أن يقابل المسلم الاختبار بالعجز،وأن يرسب في أول امتحان،بل عليه أن يصمد،وأن يقابل ما كتب الله عليه بصدر رحب،ورضا نفسي ينم عن الصبر على قضاء الله وقدره،لا أن يتمنىالموت ،
يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق -رحمه الله تعالى -:
لا يجوز للمسلم أن يَتمنَّى الموت إذا مَسَّهُ مكروه وامْتُحِنَ في حياته بما يَضُرُّه ويؤذيه في نفسه أو ماله أو جاهه، بل يصبر على ما أصابه فإن ذلك من عزم الأمور، ويحتسب أجر ذلك عند الله تعالى وهو ولي الصابرين، وروَى أنس بن مالك أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (لا يَتمنَيَنَّ أحدكم الموت لِضُرٍّ نَزَلَ به في الدنيا، لكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي) .
ونهَى المؤمنَ عن تمني الموت إذا نَزَلَ به ضُرٌّ وأُمِرَ أن يَلْجَأ إلى الله ـ سبحانه ـ مستعينًا به سائلًا خير ما عنده له.
وأما قول الله، تعالى، على لسان يوسف عليه السلام: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) فقد قال ابن حزم: إنه ليس استعجال الموت المنهي عنه، بل هو دعاء بألَّا يتوفاه الله تعالى إذا توفاه إلا مسلمًا اهـ (من كتاب المحلَّى). فهو دعاء بطلب الخير المحبوب.
وهكذا الإسلام يربي النفوس حتى في خلجات الصدور وأحاديث النفس، فينهاها عن تمني الموت فرارًا من تكاثر المِحَن، ويَحُثُّها على اللِّيَاذ عند ذلك بالله تعالى واستمداد العون منه على كشف الضر وتفريج الكرب، وعلى الخير والرضا عند نزول المكاره بالقضاء، فإذا أخذ المؤمن نفسه بذلك كان من أولي العزم الأقوياء واستحق أجر الصابرين ونال درجة المقربين.
أما الاستسلام للوساوس والجَزَع عند المكاره وتمني الخلاص منها بالموت فذلك ضعف وخَوَر، ونقص في الإيمان والثقة بالله تعالى، ونسأله تعالى التثبيت واليقين. انتهى
زيادة العمر للمؤمن زيادة في الخير له
طول العمر المؤمن الذي يعمل صالحاً خير له من الموت قال النبي ﷺ : ( خير الناس من طال عمره وحسن عمله ) رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقال ﷺ : ( طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ) رواه الطبراني وأبو نعيم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقال رجل : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ) قَالَ : فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ ؟ قَالَ : (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ ) رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
لأجل ذلك نهى النبي ﷺ عن تمني الموت ، لأنه يحرم المؤمن من خير الطاعة ، ولذة العبادة ، وفرصة التوبة ، واستدراك ما فات.
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ , وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا ) رواه مسلم .
والنهي عن تمني الموت إنما هو إذا كان بسبب ما يحصل للمرء من ضرر في أمور دنياه ، فإنّ تمني الموت حينئذ دليل على الجزع مما أصابه :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ , فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي , وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) متفق عليه .
الحالات التي يشرع تمني الموت فيها
هناك بعض الحالات يشرع تمني الموت فيها منها:
1- أن يخشى على دينه من الفتن
لا شك أن موت الإنسان بعيدا عن الفتن ، ولو كان عمله يسيرا ، خير له من أن يفتن في دينه .
فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ : الْمَوْتُ ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وقد دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال أيضاً : قول النبي ﷺ في دعائه : ( وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
2- أن يكون موته شهادة في سبيل الله عز وجل
دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال كثير من الأحاديث ، منها :
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ) متفق عليه . فقد تمنى الرسول ﷺ أن يقتل في سبيل الله ، وما ذاك إلا لعظم فضل الشهادة .
وروى مسلم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) .
وقد كان السلف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم يحبون الموت في سبيل الله .
وكتب خالد بن الوليد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى أهل فارس : والذي لا إله غيره لأبعثنَّ إليكم قوماً يحبُّون الموت كما تحبُّون أنتم الحياة .
وإنما كانت هذه المنزلة مرغوبة – لا حرمنا الله منها – وطلبها ممدوحا من كل وجه ، لأن من أعطيها لم يحرم أجر العمل الصالح الذي تطيب لأجله الحياة ، وتكون خيرا للمرء من الموت ، ثم إن الله تعالى يحمي صاحب هذه المنزلة من فتنة القبر .
فعلى المسلم أن يصبر على ماأصابه ،فإن ذلك من عزم الأمور ،ومن رضي بقضاء الله ،فله الرضا،ومن سخط على قدر الله فله السخط