موقف الزوج من زوجته مقارنة بأمه وأسرته ، فالناس فيه موقفان :
الأول : يجنح إلى تقديم زوجته في كل صغيرة وكبيرة ، لأنها زوجته، وأم أولاده ، وهي التي تعيش معه ، وترعى شئونه ، مع إهمال أهله ، و تقديم الزوجة على الأهل على طول الخط محض خطأ يحتاج إلى نوع من المراجعة.
الثاني : تقديم الأهل على الزوجة ، واعتبار أن العلاقة مع أهله أبدية ، أما العلاقة مع زوجته ثانوية ، وهو أيضا فهم خطأ، لأن الله تعالى سمى العلاقة بين الزوجين بأنه ميثاق غليظ ، قال تعالى : ” وأخذن منكم ميثاقا غليظا”.
والصواب أن يبر والديه ، وأن يصل رحمه ، مع الإحسان إلى الزوجة في العيش والمعاشرة.
وقد طلب الإسلام من الزوج أن يكون بارا بوالديه ، وصولا لأقاربه ، والآيات دالة على ذلك ، منها قوله تعالى :” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”، وقال سبحانه :” (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا) ،وقال أيضا :” أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير”، بل يصل بر الوالدين إلى الإحسان إليهما ولو كانا مشركين في غير معصية الله ، فقال تعالى :” وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا
وجاءت السنة النبوية دالة على هذا البر، من ذلك قول النبي ﷺ ” من وصل رحمه ، وصله الله ، ومن قطع رحمه ، قطعه الله”.
ومنها أيضا قوله ﷺ ” من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه “.
فحق الأهل على الزوج البر والوصل، والتعامل الحسن، والإعطاء من النفقة على الوالدين إن كان للولد مال ، وكان الوالدان في حاجة ، و أن يصل أقاربه بالعطاء من الصدقة ، وكذلك بالزكاة إن كان صاحب مال، فإعطاء الزكاة للقريب أعظم ثوابا ، وعبر عنها النبي ﷺ بقوله ” وصدقتك على المسكين صدقة ، وعلى الرحم اثنتان ، صدقة وصلة”.
أما ما يخص الحياة الزوجية ، فلا دخل للوالدين والأقارب فيها .
وعلى الزوجة أن تكون وصولة لأهل زوجها ، وتعين زوجها على بر والديه ، وتعاملهم المعاملة الحسنة ولها بذلك الأجر الكبير عند الله سبحانه وتعالى وستجد الحياة الطيبة بإذن الله سبحانه وتعالى.
وقد كانت فاطمة رضي الله عنها تخدم أم زوجها علي بن أبي طالب، وتساعدها في شئون البيت ، وقد كان علي – رضي الله عنه – يقسم العمل في البيت بين زوجته وبين أمه ، فقد أخرج الطبراني بسنده عن علي قال قلت لأمي فاطمة بنت أسد بن هاشم اكفي فاطمة بنت رسول الله ﷺ سقاية الماء والذهاب في الحاجة وتكفيك خدمة الداخل الطحن والعجن .
ومساعدة الزوجة الأم فيما لا يخصها من شئون هو من باب الاستحباب، وليس من باب الوجوب ، وهو في ذات الوقت من باب صلة الزوج وحسن المعاشرة له .
كما جعل الإسلام العلاقة بين الزوجين كأنهما فرد واحد ، فالزوج ستر على زوجته ، والزوجة ستر على زوجها ، وعبر عن ذلك بالسكن ، فقال تعالى :”ليسكن إليها “.
والعلاقة بين الزوجين مبنية على المودة والتفاهم ، فقال تعالى “ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”.
وليس من المودة والرحمة والسكن أن يتعامل الزوج مع زوجته كأنها شيء ثانوي في حياته .
بل تصل العلاقة بين الزوجين في هذا أنه لا عورة بين الزوجين ، بينما هناك عورة بين الرجل وأمه ، وبين الرجل وأخته،فكانت العلاقة بين الزوجين وثيقة حميمة على كل حال.
ومما يزيد ذلك الارتباط وجود الأبناء ، فهم يجعلون الشركة الزوجية أكثر التصاقا وتماسكا ، أكثر من علاقة الزوج بأهله.
وقد جعل الإسلام للمرأة بعض الحقوق ، يجب على الزوج الوفاء بها ، ومن ذلك أن يكون لها سكن تأمن فيه على نفسها ، ولا يتدخل أحد في خصوصيات حياتها ، لا الأم ولا الأب ولا الأخت ولا أي أحد، فالعلاقة الخاصة بين الزوجين لا يتدخل فيها أحد إلا من سبيل النصح و الإرشاد.
و ربما كانت كثير من المشاكل الزوجية التي تحد من العلاقة بين الزوج وزوجته، وبين الزوجة وأهل زوجها كون المرأة تعيش مع أسرة الزوج ، فإن رأى الزوج أن يستقل بمعيشته بعيدا عن أهلها ، إن كان صاحب استطاعة في النفقة وشراء أو تأجير شقة، فحسن ، مع الحفاظ على بر الوالدين ووصل الرحم من الأهل والأقارب، فإن عجز عن ذلك ، فللمرأة أن تستقل بحياتها ، مع وجود حسن العشرة والمعاملة مع أهل الزوج.