ما يراه النائم في نومه يختلف باختلاف منبع الرؤيا فقد يكون ربانيا، وقد يكون شيطانيا، وقد يكون حديث نفس، والمعبر للرؤيا لا يطلع على الغيب، وتفسيره للرؤيا أمر ظني وليس قطعيا، أما الغيب فلا يعلمه إلا الله.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

تتنوع الرؤى بحسب منبع الرؤيا؛ فإما أن يكون منبع الرؤيا ربانياً، وإما أن يكون نفسياً وإما أن يكون شيطانياً، وقد جاء في الحديث الصحيح أن الرؤى تكون من الله، أو حديث نفس أو حلمًا من الشيطان، فبعض الرؤى هي حديث النفس، وهذه كأحلام اليقظة، حيث يفكر الإنسان في شيء معيّن طول النهار ثم يحلم به في الليل، وأحياناً يأكل أكلة شديدة تتسبب له في “كابوس”، فهذا حديث النفس.

وهناك رؤى شيطانية؛ حيث يتلاعب الشيطان بالإنسان ويريد أن يحزنه ويؤلمه فيرى أشياء مؤلمة.
وهناك رؤيا مبشرة مثل رؤيا سيدنا يوسف حينما رأى ما رأى مما حكاه القرآن في قوله تعالى “إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ* قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”، فهذه الرؤى التي يسمونها التنبؤية، لأن فيها تنبؤًا أو قراءة للمستقبل، وأحياناً تكون واضحة كرؤى الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل أن ينـزل عليه الوحي؛ حيث ظل ستة أشهر لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.

وأحياناً تكون رؤيا مؤوّلة تحتاج إلى تعبير مثل الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر، فهو يعقوب وزوجته وإخوة يوسف حينما سجدوا له لما قال “يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا “ومثل رؤيا الملك”إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ فسرها بالسبع سنين الخصبة والسبع سنين المجدبة ..إلخ، فأحياناً الرؤيا تحتاج إلى تعبير، وأحياناً الرؤيا لا تحتاج إلى تعبير.

صدق الرؤيا ليس دليلا على صلاح الرائي:
هناك بعض الناس عندهم صفاء نفس، فيمكن أن يرى الرؤيا وتحدث، وهذه خاصية لبعض النفوس، ولا يتنافى مع الإيمان بالغيب وتحدث للمؤمن والكافر والبر والفاجر، فالملك الذي رأى تلك الرؤيا كان ملكاً مشركاً ولم يكن مسلماً “إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَات”.

والفتيان اللذان دخلا معه السجن كان يوسف -عليه السلام- يعرض عليهما الإسلام، فهما إذن مشركان وصدقت رؤياهما “يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ”.

وليُعلم أن اطلاع المفسر للرؤيا على تفسيرها اطلاع ظني وبالرمز وليس اطلاع حقيقة، حيث يمكن الاطلاع بالرمز أو بالإشارة أو نحو ذلك، ولكن ليس كل إنسان يستطيع معرفة حقيقة الرؤيا، فسيدنا يوسف علمه الله من تأويل الأحاديث “وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ، “وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ” وحتى مع هذا لما فسر الرؤيا للفتيان “وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ” فالعملية ظنية وليست يقينية مع أن هذا من تعليم الله “ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي”، ولكن القرآن اعتبرها لونًا من الظن والفراسة.