ذكر لنا الله سبحانه وتعالى رفع عيسى عليه السلام إلى السماء مرة واحدة في قوله تعالى ” بل رفعه الله إليه ” ولم يذكر لنا الله سبحانه وتعالى أنه أُرجِع إلى الأرض . لذلك فإن على الذين يزعمون أن عيسى أرجع إلى الأرض أن يقدموا لنا الدليل والبرهان على ذلك . فإن لم يستطيعوا ولن يستطيعوا فإن جدالهم ليس له أساس .
قال الله سبحانه وتعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(55) سورة آل عمران .
قال ابن جرير رحمه الله : ” توفيه ” هو رفعه ، وقال الأكثرون المراد بالوفاة هاهنا النوم كما قال تعالى : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ) الآية وقال تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) الآية وكان رسول الله ﷺ يقول إذا قام من النوم الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ” رواه البخاري 6312 ومسلم 2711 .
وذكره عزّ وجلّ لرفع عيسى إلى السماء فيه ردّ على اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه ، فقال سبحانه وتعالى عنهم :( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا(155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا(156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158)وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا(159) سورة النساء
هل توفي عيسى عليه السلام:
عيسى عليه السلام لم يمت بعد بل رفعه الله إليه لما أراد اليهود قتله وسينزل في آخر الزمان ويحكم الأرض بالإسلام ويعيش ما شاء الله أن يعيش ثم يُتوفّى ويُصلي عليه المسلمون ، قال ابن كثير رحمه الله : والضمير في قوله ” قبل موته ” عائد على عيسى عليه السلام أي وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام ..
وقوله تعالى: ( ومطهرك من الذين كفروا ) أي برفعي إياك إلى السماء ، ( وجاعل الذين أتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ) وهكذا وقع فإن المسيح عليه السلام لما رفعه الله إلى السماء تفرقت أصحابه شيعا بعده فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أَمَته ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله وآخرون قالوا هو الله وآخرون قالوا هو ثالث ثلاثة وقد حكى الله مقالتهم في القرآن ورد على كل فريق فاستمروا على ذلك قريبا من ثلاث مئة سنة ثم نبع لهم ملك من ملوك اليونان يقال له قسطنطين فدخل في دين النصرانية ، قيل حيلة ليفسده فإنه كان فيلسوفا وقيل جهلا منه إلا أنه بدل لهم دين المسيح وحرفه وزاد فيه ونقص منه ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة وأحل في زمانه لحم الخنزير وصلوا إلى المشرق وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون وصار دين المسيح دين قسطنطين إلى أن بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثني عشر ألف معبد وبنى المدينة المنسوبة إليه وأتبعه طائفة الملكية منهم وهم في هذا كله قاهرون لليهود أيده الله عليهم لأنه أقرب إلى الحق منهم وإن كان الجميع كفارا عليهم لعائن الله فلما بعث الله محمدا ﷺ فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق فكانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض .