لا يجوز الحلف بالبراءة من الإسلام ; لقول النبي : “من قال : إني بريء من الإسلام . فإن كان كاذبا , فهو كما قال , وإن كان صادقا , لم يعد إلى الإسلام سالما” . رواه أبو داود.

وهذا الإثم إذا كان الحالف قد حلف على أمر في الماضي.

-وأما إذا كان الحلف على أمر مستقبل كقول القائل : ” أكون يهوديا إذا تخلفت عن الجهاد مثلا ” فهذا يحتمل أن تكون نيته إبعاد نفسه عن  التخلف عن الجهاد ، لا أنه يريد أن يكفر ، ففي هذه الحالة لا يكفر جاهد أم لم يجاهد، ولكن هل عليه إثم في حلف ذلك أم لا؟ في ذلك خلاف بين العلماء .

-وأما إذا كان يقصد تعظيم اليهودية أو المسيحية ، أو يقصد البراءة من الإسلام فهو وما قصد، أي أنه يكفر بذلك .

وعلى أية حال تجب التوبة والاستغفار مما مضى، وعدم العود إلى ذلك ثانية .

حكم الحلف بالكفر

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:-

لو حلف بالكفر فقال : إن فعل كذا فهو بريء من الله ورسوله ; أو فهو يهودي أو نصراني . لم يكفر بفعل المحلوف عليه ; وإن كان هذا حكما معلقا بشرط في اللفظ ; لأن مقصوده الحلف به بغضا له ونفورا عنه ; لا إرادة له ; بخلاف من قال : إن أعطيتموني ألفا كفرت فإن هذا يكفر .انتهى.

حكم تعليق الكفر على أمر

يقول العراقي في طرح التثريب:-

تقسيم الحديث الحالف إلى صادق وكاذب يدل على أن في ذلك الإخبار عن ماض كما تقدم فإن الخبر هو المحتمل للصدق والكذب أما إذا وقع منه مثل هذا التعليق على وقوع أمر في المستقبل فقد يقال يلحق بالماضي , ويقال إن فعل ذلك المحلوف عليه كفر , وإلا فلا , وقد يقال إن لفظ الحديث أولا متناول له إلا أنه لما فصل اقتصر على أحد القسمين , ويعرف منه حكم القسم الآخر , وقد يقال إذا كان عن ماض فقد حقق الكفر على نفسه .

وأما إذا كان على مستقبل فقد يقع ذلك الأمر , وقد لا يقع , والغالب من حال الآتي بهذا اللفظ أنه إنما يقصد به إبعاد نفسه عن ذلك الأمر بربطه بأمر لا يقع منه , وهذا أقرب , ويوافقه كلام الرافعي حيث قال إن هذا اللفظ يتضمن تعظيم الإسلام وإبعاد النفس عن التهود ثم قال هذا إذا قصد القائل تبعيد النفس عن ذلك فأما من قال ذلك على قصد الرضى بالتهود , وما في معناه إذا فعل ذلك الفعل فهو كافر في الحال , وسكت الرافعي عن حالة الإطلاق , وهو أن لا يقصد تبعيد النفس عن التهود ولا الرضى به أو لم يعلم قصده بموته سريعا أو تعذر مراجعته , وقال في ذلك شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي إن  القياس التكفير إذا عري عن القرائن الحاملة على غيره لأن اللفظ بوضعه يقتضيه قال : وكلام النووي في الأذكار يقتضي أنه لا يكفر بذلك , والقياس خلافه انتهى .

وما ذكره الرافعي من أن هذا اللفظ يتضمن تعظيم الإسلام وإبعاد النفس عن التهود يقتضي أنه لا يحرم الإتيان به لكن تقدم عن الخطابي إطلاق الإثم , ولم يفصل بين الحلف على الماضي والمستقبل , وصرح بذلك النووي في الأذكار فقال يحرم أن يقول إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو نحو ذلك فإن قاله , وأراد حقيقة فعله وخروجه عن الإسلام بذلك صار كافرا في الحال , وجرت عليه أحكام المرتدين , وإن لم يرد ذلك لم يكفر لكنه ارتكب محرما فيجب عليه التوبة قال ابن الرفعة في المطلب إنه معصية .