مسألة تصحيح الأحاديث والترجيح بينها مسألة طويلة وهي علم كبير وله رجاله ، ويعرف بعلم الجرح والتعديل وهو باب كبير من أبواب أصول الفقه التي لا بد للمجتهد الإلمام بها.
يقول الشيخ عبد الخالق الشريف:
يجوز تصحيح الحديث الذي ضعفه المتقدمون بكثرة الطرق، وذلك لأن كل من ضعف رواية في الحديث ربما لم تصله الروايات الأخرى، وبالجمع بين الروايات والطرق والبحث في أحوال الرواة قد يتضح طريقا جديدا للحديث يجعله مقبولا، والعلم والبحث ليس حكرا على أحد ولا على عصر ما ، طالما كان منضبطا بالقواعد الشرعية ، وخاصة المختصة بتخصصه. وإلا لأغلق باب الاجتهاد.
ثم إن الحديث الذي يصححه البعض بعدما ضعفه غيره فإنه في الواقع لا يخلو أن يكون له روايات أخرى صحيحة ولو بالمعنى.
والأحاديث الذي يصححها علماء ثقات كالشيخ الألباني والشيخ الأرنؤط لا مانع شرعا من الوثوق بها والعمل بما جاء فيها.
وتزداد الثقة بصحة الحديث كلما كثر من صححه، وخاصة إذا اجتمع على تصحيحه بعض المتقدمين وبعض المحدثين.
وفي الواقع فإن الأحاديث التي فيها هذا العمل قليلة جدا، فإن كان هناك من المرويات مائة ألف حديث مثلا لما كان فيها من هذا النوع إلا ألف حديث، أي نسبة واحد بالمائة، وهذه النسبة اليسيرة هي في الحقيقة متعلقة بالفرعيات لا بأصول الشريعة.
وأما مسألة المتن: فإن الأحاديث التي يصح إسنادها وينكر متنها تشبه العدم لشدة قلتها ، كحديث الغرانيق، ولعل الذي كذبوه أحكموا صنعة الكذب فيه بحيث يأتينا بطريق موثوق برجاله، ولكن الذي يكشف الكذب فيه هو ما يتضمنه مما يخالف الصحيح القوي من القرآن والسنة ، ولذلك يرده العلماء مع صحة السند الذي روي به.
وما لم يروه البخاري ومسلم ورواه غيرهما وصححه الراوي أو آخرون فهو صحيح ، وليس معنى عدم رواية البخاري ومسلم له أنهما يضعفانه، حتى لو كان من نفس سياق ماأخرجاه، ولا شك أنه يكون متمما لما روياه طالما كان صحيحا وليس بينهما تعارض ظاهر.
وفي الجملة لا مانع من الاختلاف في نهاية الأمر في صحة بعض الأحاديث دون جزم، ولا شك أن مثل هذه الأحادي نادرة جدا جدا كالعدم وفي غيرها من الصحيح ما يغني عنها.