يرى فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق ـ رحمه الله ـ شيخ الأزهر السابق أن تسمية القري وغيرها بأسماء الأنبياء لايجوز.
وتفصيل القول في هذه المسألة:
إن أنبياء الله ورُسله هم أفضل البشر على الإطلاق، اختارهم الله، واصطفاهم مُؤهَّلينَ لهذه المَهام الجِسام، في قِمَّة ذَوِي الفضل والكمال الإنساني والجسدي والخلُقي، وصنَعهم، وزوَّدهم بالعلْم والمعارف، وبكل الكماليات وعصَمهم من كل ما يَنتَقِص مِن شأنهم، أو يَحُطُّ من قَدْرهم بين أقوامهم، وسبحان الله القائل في هذا الشأن في سورة الحج:
(اللهُ يَصْطَفِي مِن الملائكةِ رُسُلًا ومِنَ الناسِ إنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ). (الآية رقم: 75) وفي سورة النساء قول الله ـ سبحانه ـ:
(… رُسلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكونَ للناسِ علَى اللهِ حُجَّةٌ بعْدَ الرُّسُلِ وكانَ اللهِ عزيزًا حَكِيمًا). (الآية رقم: 165)
وأنبياء الله ورسُله إلى الناس وإنْ كانوا مِن البشر، لكنهم قد تبوَّءوا أسمَى مكانة ونالوا شرَف تكليف الله لهم ـ سبحانه ـ بإبلاغ رسالاته..
وبهذا كانوا خير الناس بوجهٍ عامٍّ، فكان تقديرهم وإعزازهم في ذواتهم، وفي مكانتهم والارتفاع بشأنهم، وذكْرهم واجبًا على أمة الإسلام خاصة، وعلى الناس جميعًا، وكان احترامهم، والبُعد بأسمائهم عن كل ما يُعرِّضها للامتهان مِن شعائر الإسلام حيث أمر الله بالاقتداء بهم والتأسِّي بأعمالهم العظيمة، والاهتداء بهَدْيهم وجعل في سيرتهم عِبْرةً لأولي الألباب، وساق قصصهم وبعض شرائعهم …
لمَّا كان ذلك، وكانت منزلة أنبياء الله ورسله بهذا القَدْر مِن السُّمُوِّ، والرفعة كان البُعد بهم عمَّا يُناقض هذه المَنزلة واجبًا من باب سدِّ الذرائع أولَى وأحَقُّ.
ذلك أن إطلاق أسماء الرسُل والأنبياء على القرى تَيَمُّنًا بهم، يُعرض هذه الأسماء المُكرَّمة مِن الله ومِن الناس لمَا لا يلِيقُ بقَدْرهم، ومَنزلتهم إذا اشْتَجَرَ خلافٌ، أو وَقَعَتْ مُنافَسات بين أهل ومكان تلك القرى، فقد يقع في قرية، أو قرى منها مُوبِقَاتٌ، ومُنكَرات، فتُنْسَب إلى اسم النبيِّ أو الرسول الذي عُرفت، أو سُميت باسمه القرية، أو يَسُبُّ أهل قرية، أهل قرية أخرى، وكل منهما قد تُسمَّى باسم نبيٍّ أو رسول، فيَتناول السب والأذى اسم كلٍّ مِن القريتين وهو اسم نبي أو رسول.
فأخذًا بسدِّ الذرائع، ودفعًا لهذه المفاسد المُرتَقَبَة، وصونًا لأسماء الأنبياء والرسل الذين كرَّمهم الله بالنبوة وبالرسالة تمتَنع هذه التسمية، ويَمتنع إطلاق أيِّ: اسمٍ مِن أسماء الأنبياء، والمُرسلين على تلك القرى، أو إحداهما، حفاظًا على التكريم الذي كرَّمهم الله به.
هذا وسدُّ الذرائع مِن الأدلة الشرعية التي وجَّهنا إليها القرآن في قول الله ـ تعالى ـ في سورة الأنعام :
(ولا تَسُبُّوا الذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ..). (من الآية رقم: 108 من سورة الأنعام) حيث نهتْ هذه الآية عن سبِّ الأصنام، وغيرها مِن المَخلوقات التي تُعْبَدُ مِن دُون الله، حتى لا يَرُدُّ عُبَّادُها بِسَبِّ الله ـ تعالى ـ فالامتناع عن عملٍ يدخل في المُباح أصلًا، لمَا يترتب عليه مِن ضرَر وحرَجٍ منعًا لوُقوعه بالتسبُّب يكون واجبًا .
لمَّا كان ذلك: فإنه يَمتنع شرعًا تسمِيَة أية قرية، أو مكان باسمٍ مِن أسماء أنبياء الله ورسله، وبوصف الرسالة أو النبوة، والأولَى أن يختار لتلك القرى أسماء مِن واقع البيئة، أو ما تَشتهر به مِن مُنتجات زراعية أو صناعية، أو أسماء القرى التي جاء منها السكان الجدُد.