يقول الدكتور محمد البهي-رحمه الله-:
القرآن الكريم جعل من أمارات الفلاح للمؤمنين ونجاحهم في التغلب على أهوائهم محافظتهم على الصلوات، وخشوعهم فيها… بالإضافة إلى صفات أخري في مقدمتها أداء عبادة الزكاة:(قَدْ أَفْلَحَ المُؤمنونَ. الذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعونَ. والذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضونَ. والذِينَ هُمْ للزّكَاةِ فَاعِلونَ. والذِينَ هُمْ لِفُروجِهِمْ حَافِظونَ إِلاّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإنَّـهُمْ غَيْـرُ مَلومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ. والذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ. والذِينَ هُمْ عَلَى صَلَواتِهِمْ يُحافِظونَ. أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثونَ. الذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ) (المؤمنون: 1 ـ 11)، فابتدأت الآيات في وصف المؤمنين الناجحين بصفة الخشوع في الصلاة، وانتهت بصفة المحافظين على الصلوات كلها… مما يؤكِّد قيمة الصلاة ومنزلتها في حياة الإنسان المؤمن.
فالصلاة تكاد تكون العبادة الأولى في صفاء النفس وتخلِّيها عن التشبُّث بالسَّعْي وراء أهوائها وشهواتها، وهى العامل الذي يَحُدُّ من الأنانية ويساعد على نمو الرُّوح الاجتماعية في الإنسان. لأنَّها خَلوة نفسية يختلي فيها المصلِّي بربِّه، يدعوه فيها العون على سلوك الطريق المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، وهذا الصفاء للنفس لا يتحقق إلا بأداء الصلاة على نحو ما كان يؤدّيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أوقاتها وفي مناسباتها، وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد وحده، لا لإظهار وَحْدة المسلمين ولا لإحياء الروابط بينهم فقط، وإنما لأنَّ صلاة الجماعة تُهيِّئ الجو النفسي الذي من شأنه أن يساعد على الصفاء وعلى رُوحية المناجاة فيها.
والمسلم الذي يُصلِّي لمناسبة أو لتحقيق هدف هو قصير النظر، وضعيف النفس.
أمّا قِصَر نظره فلأنّه يعتقد أنه فورَ أن يؤدِّي الصلاة في المناسبة المعيّنة سوف يتحقق غرضه. والصلاة ـ إذن ـ وسيلة إلهيّة لتحقيق هدف دنيويّ وهذا خطأ فاحش؛ لأن الصلاة عبادة قُصِدَ بها استقامة السلوك. ولا تتحقَّق للمصلِّي هذه الاستقامة إلا إذا داوم عليها في خشوع. وعن طريق استقامة السلوك يتجنَّب المصلِّي على سبيل الحقيقة الفحشاءَ والمنكَر والبغي. وذلك هو النجاح للإنسان.
وأمّا أنه ضعيف النفس فلأنّه يتلمَّس بصلاته في المناسبة المعيّنة العونَ من الله في هذا الوقت بالذات لحاجة إليه. فإذا ما انتهت حاجته عادت نفسه إلى الوضع السابق على الصلاة، وهو ترك الصلاة: (إِنَّ الإنسانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق:6 ـ 7)، وضعيف النفس هو ضعيف الإيمان، الإيمان بالله، والإيمان بالذات هو أقرب إلى طبيعة النِّفاق.