بعض الناس يداومون على الخروج من المسجد بمجرد انتهاء الإمام من الصلاة ، ويتركون ذكر الله والدعاء و الاستغفار بعد الصلاة ، مع أن الوارد عن النبي ﷺ المداومة على الأذكار عقب الصلوات المكتوبات والدعاء دبر الصلوات، وهؤلاء قد تركوا فضلاً عظيماً، وأعرضوا عن ساعة مباركة يستجاب فيها الدعاء ، ويسن فيها الذكر والاستغفار .
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :
حال كثير من المصلين مع الأسف الشديد حيث إنهم بمجرد تسليم الإمام يستبقون أبواب المسجد للخروج سراعاً ، وما علموا أنهم تركوا فضلاً عظيماً، وأعرضوا عن ساعة مباركة يستجاب فيها الدعاء ويسن فيها الذكر والاستغفار . وإني لأستغرب من بعض المصلين الذين اعتادوا هذا الأمر فهم يداومون على الخروج من المسجد بمجرد انتهاء الإمام من الصلاة ويتركون ذكر الله والدعاء و الاستغفار مع أن الوارد عن النبي ﷺ المداومة على الأذكار عقب الصلوات المكتوبات، وقد ورد عنه أيضاً كثيراً من الأدعية النبوية الواردة في دبر الصلوات.
أولاً: المداومة على الأذكار الواردة بعد الصلوات المكتوبات:
– عن ثوبان رضي الله عنه قال :( كان رسول الله ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث : كيف الاستغفار ؟قال : تقول أستغفر الله أستغفر الله . رواه مسلم
– وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ : كان إذا فرغ من الصلاة وسلَّم قال :( لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) رواه البخاري ومسلم .
– وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم :( لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ) قال ابن الزبير : وكان رسول الله ﷺ يهلل بهن دبر كل صلاة .رواه مسلم .
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ﷺ فقالوا :( ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون . فقال : ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ) رواه البخاري ومسلم .
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال :( من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) رواه مسلم .
– وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كان يتعوذ دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات :( اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أردَّ إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر )رواه البخاري .
ثانياً : الدعاء عقب الصلوات المكتوبات:
الدعاء حقيقتة مناداة الله تعالى لما يريد من جلب منفعة أو دفع مضرة من المضار والبلاء بالدعاء فهو سبب لذلك واستجلاب لرحمة المولى ، ويعني هذا أن الدعاء شعور بالحاجة إلى الله تعالى وطلبها منه جل جلاله بتذلل ورغب ورهب ، لا غنى لأي فرد عنه في أي حال من أحواله شدة ورخاء صحة وعافية ومرضاً ، ولذا جاءت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ مبينة فضله وحاثة عليه ومن ذلك :
– قال تعالى :( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) سورة غافر الآية 60 .
– وقال تعالى :( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) سورة الأعراف الآيتان 55-56 .
– وقال تعالى :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) سورة البقرة الآية 186 .
– وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين :( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة الآيتان 16-17 .
– وعن النعمان بن بشير أن النبي ﷺ قال :( إن الدعاء هو العبادة ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
– وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال :( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء )
ومن المعلوم عند أهل العلم أن الدعاء له أوقات مباركة يستجاب فيها ومن أعظمها دبر الصلوات المكتوبات أي عقبها .
قال الإمام الشوكاني : :[ قد ورد الإرشاد إلى الأذكار في دبر الصلوات وهي مشتملة على ترغيب عظيم، وفيها أن الذاكر يقوم مغفوراً له ، وفيها إنها تحل له الشفاعة، وفيها أنه يكون في ذمة الله عز وجل إلى الصلاة الأخرى، وفيها أنها لو كانت خطاياه مثل زبد البحر لمحتهن، وغير ذلك من الترغيبات وكل ذلك يدل على شرف هذا الوقت وقبول الدعاء فيه ] تحفة الذاكرين ص 66 .
– عن أبي أمامة رضي الله عنه قال :[ قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع ؟ قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات ] رواه الترمذي وقال حديث حسن ووافقه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/168 .
وورد عن الضحاك في تفسير قوله تعالى :( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) سورة الانشراح الآية 7 . قال فرغت من الصلاة فانصب بعد التسليم في الدعاء وارغب في المسألة ، وهو أثر حسن انظر الترغيب في الدعاء ص264-266 .
– عن معاذ بن جبل قال :( لقيني النبي ﷺ فأخذ بيدي فقال : يا معاذ إني أحبك . قلت يا رسول الله : وأنا أحبك . قال : أفلا أوصيك بكلمات تقولوهن في دبر كل صلاة : يا رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه الحاكم وصححه.
– وعن أم سلمة قالت : كان رسول الله إذا صلى الصبح قال اللهم إني أسألك علماً نافعاً وعملاً متقبلاً ورزقاً طيباً . رواه أحمد والنسائي وقال الهيثمي رجاله ثقات .
– وعن مسلم بن أبي بكرة قال :[ كان أبي يقول في دبر الصلاة اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر فكنت أقولهن فقال أبي عمن أخذت هذا قلت عنك ، قال إن رسول الله كان يقولهن ] رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد . صحيح سنن النسائي 1/290 .
– وعن أبي أمامة قال :( ما دنوت من رسول الله في دبر صلاة مكتوبة ولا تطوع إلا سمعته يقول : اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها اللهم أنعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت ) رواه الــطـبـراني وابـن الـســنـي وجوّد إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/111 . انظر صحيح الجامع 1266 .
– وعن الحارث بن مسلم التميمي رضي الله عنه قال :( قال لي النبي ﷺ : إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن مت من يومك كتب الله لك جواراً من النار وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تتكلم اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جوراً من النار ) رواه أبو داود والنسائي ورواه ابن حبان في صحيحه . وغير ذلك من الأدعية .