أولا زواج الأم يسقط عنها حقها في الحضانة، وتنتقل الحضانة إلى أمها، وإذا رضي الأب ببقاء أولاده مع أمهم ورأى في بقائهم مصلحة فلا حرج في ذلك .
فإذا وصل الأمر إلى الخصومة فإن انتهى النزاع بالتراضي فهذا خير للأبوين ولأولادهما، ولكن إذا لم يصلا إلى اتفاق فالكلمة الفصل للقضاء.

والحكم الشرعي في المسألة، إذا كان الأولاد قد بلغوا ، فذهب الشافعية، والحنابلة إلى أنهم يخيرون في البقاء مع أبيهم أو مع أمهم، والتخيير في الحضانة مشروط بأمرين :
الأول: السلامة من الفساد ، فإذا عُلم أن الطفل يختار أحدهما ليمكنه من الفساد ، ويكره الآخر لما سيلزمه به من أدب ، فلا اعتبار لاختياره في هذه الحالة; لأنه مبني على الشهوة ، فيكون فيه إضاعة له .
الثاني: أن يظهر للحاكم معرفته بأسباب الاختيار .
وقال الحنفية إن الطفل إذا استقل بنفسه في شؤونه الخاصة فالأب أحق به، وقال مالك إن الطفل لا يخير في حاضنه إلا بعد بلوغه .

جاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي:
الغلام إذا بلغ سبعا، وليس بمعتوه ، خير بين أبويه ، إذا تنازعا فيه ، فمن اختاره منهما ، فهو أولى به قضى بذلك عمر، وعلي ، وشريح وهو مذهب الشافعي .

وقال مالك: وأبو حنيفة : لا يخير لكن قال أبو حنيفة: إذا استقل بنفسه ، فأكل بنفسه ، ولبس بنفسه ، واستنجى بنفسه ، فالأب أحق به ومالك يقول : الأم أحق به حتى يثغر ، وأما التخيير ، فلا يصح ; لأن الغلام لا قول له ، ولا يعرف حظه ، وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه ، ويمكنه من شهواته ، فيؤدي إلى فساده ، ولأنه دون البلوغ ، فلم يخير ، كمن دون السبع .

ولنا، ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم { خير غلاما بين أبيه وأمه } رواه سعيد ، بإسناده والشافعي وفي لفظ عن أبي هريرة ، قال: {جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن زوجي يريد أن يذهب بابني ، وقد سقاني من بئر أبي عنبة ، وقد نفعني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : } هذا أبوك ، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت { فأخذ بيد أمه ، فانطلقت به } رواه أبو داود ، ولأنه إجماع الصحابة ، فروي عن عمر ، أنه خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد ، وروي عن عمارة الجرمي ، أنه قال : خيرني علي بين عمي وأمي ، وكنت ابن سبع أو ثمان وروي نحو ذلك عن أبي هريرة .
وهذه قصص في مظنة الشهرة ، ولم تنكر ، فكانت إجماعا، ولأن التقديم في الحضانة لحق الولد ، فيقدم من هو أشفق; لأن حظ الولد عنده أكثر، واعتبرنا الشفقة بمظنتها إذا لم يمكن اعتبارها بنفسها ، فإذا بلغ الغلام حدا يعرب عن نفسه، ويميز بين الإكرام وضده، فمال إلى أحد الأبوين، دل على أنه أرفق به، وأشفق عليه، فقدم بذلك وقيدناه بالسبع; لأنها أول حال أمر الشرع فيها بمخاطبته بالأمر بالصلاة; ولأن الأم قدمت في حال الصغر ، لحاجته إلى حمله، ومباشرة خدمته، لأنها أعرف بذلك، وأقوم به ، فإذا استغنى عن ذلك ، تساوى والداه ، لقربهما منه ، فرجح باختياره .