هذه المشكلة يعانى منها المسلمون فى الغرب وفى روسيا والأماكن القريبة من القطبين ولكن العلماء تناولوها بالدراسة وبحمد الله توصلوا لحلول لها والمسألة بالتفصيل كما وردت فى كتاب الأمة “من فقه الأقليات المسلمة”للأستاذ خالد محمد عبد القادر كتب فيها:
لا يخفى على كل مسلم أن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة، وأن الله تعالى قد فرض خمس صلوات في اليوم والليلة، وأنها تجب على المسلم العاقل البالغ العالم بها، وأن من أنكرها فقد خرج من الملة.

ولمنزلتها العظمى في الإسلام، فقد حذّر الشرع، وتوعد المضيعين لها، فقال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيًّا) (مريم: 59).
وجعل النبي – صلى الله عليه وسلم -: “بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة .

وفي هذا المطلب عدة مسائل يحتاج المسلم في ديار غير المسلمين إلى معرفتها، وهي:
المسألة الأولى: مواقيت الصلاة

وهذه المسألة تنقسم إلى عدة أقسام، وتشمل: تعريف الميقات، ومواقيت الصلاة في البلاد المعتدلة، وكذا غير المعتدلة.

أولاً: في تعريفها لغة وشرعًا:

في اللغة: يقال وَقتَ الله (بتشديد القاف وتخفيفها) الصلاة، أي حدَّد لها وقتًا، والميقات: والوقت المضرب للفعل، والجمع مواقيت .
في الشرع: المراد به “الوقت الذي عينه الله لأداء هذه العبادة (الصلاة) وهو القدر المحدود للفصل من الزمان .

ثانيًا: في مواقيت الصلاة في البلاد المعتدلة:
وأعني بالبلاد المعتدلة، البلاد التي يحل فيها ليلٌ ونهار، ويتمايزان عن بعضهما في كل أربع وعشرين ساعة.

والأصل في مواقيت تلك الصلاة، ما رواه مسلم في صحيحه أن سائلاً سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – شيئًا [ باللفظ والقول]، وفي رواية بريدة، فقال له: (صلّ معنا هذين [اليومين])، قال [راوي الحديث وهو أبو موسى الأشعري]، فأقام الفجر [أي النبي – صلى الله عليه وسلم -] حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا، ثم أمره [أي أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بلالاً] فأقام الظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام المغرب حين وقعت [ أي غربت]، الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخَّر الفجر من الغد حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت، ثم أخّر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، ثم أخّر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد احمرت الشمس، ثم أخّر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم آخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول (وفي رواية: أن وقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط).
ثم أصبح فدعا السائل فقال: “الوقت بين هذين” يعني: أن وقت صلاتكم في الطرفين اللذين صليت فيهما، وفيما بينهما.

ثالثًا: في ضبط الصلاة في البلاد غير المعتدلة، كالقطبين وما يدخل في حكمهما:

إن ما ورد في الأحاديث الصحيحة من تحديد مواقيت الصلاة وضبطها، إنما هو للبلاد المعتدلة التي كان يقيم فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وما يأخذ حكمها، ولكن ما الطريقة لضبط مواقيت الصلاة في البلاد التي لا شهور فيها ولا أيام معتدلة، بل قد تكون السنة في البلاد المعتدلة يومًا، كالجهات القطبية والإسكندنافية التي يطول فيها نهارها صيفًا ويقصر شتاء، أو البلاد الشمالية التي لا تغيب عنها الشمس إطلاقًا صيفًا وعكسه شتاء، أو البلاد التي يتداخل ويتحد فيها وقتا العشاء والفجر في بعض أشهر السنة، وهي البلاد التي يجاوز موقعها خط العرض 84 شمالاً أو جنوبًا.

وقد أجمع العلماء على وجوب صلاة العشاء على أهل البلاد التي ينعدم فيها وقتها، وهو غياب الشفق، معتمدين في ذلك على عموم النصوص الآمرة بإقامة الصلوات الخمس، من غير تفريق بين إقليم وآخر، على سبيل الوجوب وعلى حديث (الدجال) الآمر بالتقدير للصلوات، والمبيّن وجوبها، وإن لم يوجد سببها على وجه العموم.

رابعًا: أقسام البلاد غير المعتدلة، وكيفية ضبط المواقيت فيها:
تنقسم هذه البلاد إلى قسمين:
القسم الأول: قسم لا تغيب عنه الشمس لفترة ستة أشهر تقريبًا، ثم تغيب مطلقًا بقية السنة.

وهذه ينسحب عليها حديث (الدجال) فيقدر أهلها للصلوات الخمس، حيث يؤدونها كاملة في كل أربع وعشرين ساعة، معتمدين في ذلك على أقرب البلاد إليهم، والتي تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها عن بعض، وعليهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتبارًا بالأبعاد الزمنية التي بين كل صلاتين.
ويقاس على ذلك سائر الأحكام المتعلقة بالأيام والأهلة، من عدّة وصوم وزكاة.

يقول الشيخ محمد رضا: “أرأيت هل يكلف الله تعالى من يقيم في جهة القطبين: وما يقرب، أن يصلي في يومه وهو سنة، أو عدة أشهر خمس صلوات فقط؟ كلا، إن الآيات الكبرى على كون هذا القرآن من عند الله المحيط علمه بكل شيء، ما نراه فيه من الاكتفاء بالخطاب العام الذي لا يتقيد بزمان من جاء به ولا مكانه.

فأطلق الأمر بالصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم بيّن أوقاتها بما يناسب حال البلاد المعتدلة، التي هي القسم الأعظم في الأرض، حتى إذا وصل الإسلام إلى أهل تلك البلاد التي أشرنا إليها، يمكنهم أن يقدروا للصلوات باجتهادهم، والقياس على ما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الله المطلق، فيقدروا لها قدرها.. ولكن على أي البلاد يكون التقدير؟ قيل: على البلاد المعتدلة التي وقع فيها التشريع كمكة والمدينة، وقيل: على أقرب بلاد معتدلة إليهم، وكل منهما جائز، فإنه اجتهادي لا نص فيه”1.

وقد أفتت هيئة كبار العلماء في السعودية، في دورتها الثانية عشرة، بالتقدير على أقرب البلاد التي تتمايز فيها أوقات الصلاة المفروضة.
قلت: وفي كلٍّ خير، ولكن بشرط أن يتفق مسلمو تلك البلاد، ومراكزها على بلد معين، حتى لا تختلف صلواتهم في البلد الواحد، فتصلي جماعة بتوقيت مكة، وتصلي الأخرى بتوقيت أقرب البلاد، فيحصل الشقاق والاختلاف، وكل محرم منهي عنه.
القسم الثاني: قسم تتميز فيه الأوقات عند العشاء، فإنه يتحد مع الفجر.

فالراجح من أقوال جماهير أهل العلم، وجوب صلاة العشاء على تلك البلاد وحرمة تركها. ولكنهم اختلفوا في وقت أدائها، وفي النية لها، هل تُؤدّى أداء أم قضاء؟
قلت: الأظهر والأقرب إلى النص (حديث الدجال)، أن يقدّر المسلمون في تلك البلاد لوقت العشاء بأقرب البلاد، فتكون صلاة العشاء فيها أداء، وصلاة المغرب فيه قضاء، لانتهاء وقتها حسب التقدير، وهو قول المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، حيث حدد درجة 45ْ للقياس عليها، وهي درجة إحدى المناطق في فرنسا، يغيب الشفق فيها قبل طلوع الفجر1. وفي هذا التقدير رفع حرج، وفيه يسر، ويصلح لبريطانيا وما جاورها.