اختلف الفقهاء في تحديد الميل والأغلب أن الميل يعادل ألف باع، وهو ما يوازي (1848) متراً، والميل عند الأروربيين حوالي(1609) متراً، ولا يخفى مشابهة الكلمة الإنجليزية للكلمة العربية، فإذا أخذنا في الاعتبار التقدم الزمني للغة العربية تبين أن القوم أخذوا بضاعتهم من المسلمين.
يقول فضيلة الشيخ حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين:
ورد استعمال كلمة الميل في السنة النبوية في عدد كثير من الأحاديث منها : ما ورد في حديث المقداد بن الأسود في صفة يوم القيامة قال سمعت رسول الله يقول : ( تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل ) رواه مسلم . قال سليم – أحد رواة الحديث – :[ فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين ) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :( أجرى النبي ﷺ ما ضمر من الخيل من الحقباء إلى ثنية الوداع وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ، قال ابن عمر : وكنت فيمن أجرى .
قال عبد الله : حدثنا سفيان قال : حدثني عبد الله ، قال سفيان بين الحقباء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة وبين ثنية إلى مسجد بني زريق ميل ) رواه البخاري . عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال :( ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم على رأس ميل أو ميلين فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع ثم تجيء الجمعة فلا يجيء ولا يشهدها وتجيء الجمعة فلا يشهدها وتجيء الجمعة فلا يشهدها حتى يطبع الله على قلبه ) رواه ابن ماجة والحاكم وصححه وقال الألباني : حسن ، صحيح سنن ابن ماجة 1/186 . وغير ذلك من الأحاديث .
وقد استعملت لفظة الميل في كتب الفقهاء أيضاً وعادة ما يذكرونها عند حديثهم عن مسافة القصر في الصلاة . فقد قال الإمام الشافعي :[ وإذا سافر الرجل سفراً يكون ستة وأربعين ميلاً بالهاشمي فله أن يقصر الصلاة سافر رسول الله ﷺ أميالاً فقصر الصلاة ، وقال ابن عباس : اقصر إلى جدة وإلى الطائف وإلى عسفان ، قال الشافعي : وأقرب ذلك إلى مكة ستة وأربعون ميلاً بالهاشمي ] الحاوي الكبير 3/358 .
وقال القرافي عند حديثه عن مسافة السفر:[ وهو في الكتاب سفر ثمانية وأربعين ميلاً : أربعة برد كل بريد أربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال وقيل : أربعة وعشرون فرسخاً وروي عن مالك خمسة وأربعون ميلاً وقال ابن حبيب أربعون ميلاً وروي عن ابن القاسم من صلى في ستة وثلاثين ميلاً لا يعيد ، وقال ابن عبد الحكم يعيد في الوقت ، وفي الجواهر : وروي عن مالك اثنان وأربعون ميلاً لنا ما في البخاري : كان ابن عباس وابن عمر يقصران ويفطران في أربعة برد . ويروى عنه عليه السلام : لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان …
والميل يشبه أن يكون من الميل بفتح الميم؛ لأن البصر يمل فيه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وقد اختلف الفقهاء في تحديد الميل فذهب الحنفية إلى أنه أربعة آلاف ذراع.
وللمالكية قولان : ذهب ابن عبد البر إلى أنه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذرا، وقال ابن حبيب : والميل ألف باع والباع ذراعان فيكون الميل ألفي ذراع ، قال الدسوقي : والمشهور أن الميل ألفا ذراع والصحيح أنه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمئة . وقال الشافعية : الميل أربعة آلاف خطوة . قال الحنابلة : الميل الهاشمي ستة آلاف ذراع بذراع اليد وهي اثنا عشر ألف قدم ] الموسوعة الفقهية 38/325 .
وقد ذكر بعض المعاصرين تقدير الميل بالأقيسة المعروفة الآن فذكر أن الميل يعادل ألف باع والباع أربعة اذرع شرعية فتكون مسافته 4×1000×46.2 = 1848 متراً .
إذا ثبت هذا فإن الميل وهو وحدة قياس أوروبية أو أمريكية ويساوي ( 1609 متراً عندهم ) من الممكن أن تكون مأخوذة من الميل المستخدمة عند الفقهاء . ولكن مما يؤسف له أن المسلمين اليوم قد تخلوا عن استعمال وحدات المقاييس والموازيين والمكاييل الإسلامية وتحولوا إلى استخدام أنظمة المعايير الغربية :[ مع أن العمل بوحدات التعامل الإسلامية ظل جارياً في المجتمعات الإسلامية على المستويات الشعبية والرسمية مدة تزيد على ثلاثة عشر قرناً ونيف إلى أن تم إلغاء التعامل بها قصراً وبصورة تدريجية منذ بداية النصف الأول من هذا القرن مما أدى إلى طمس سريع وعجيب لمعالم هذه الوحدات حتى غدت أثراً بعد عين، وتناستها الأوساط الرسمية والشعبية الإسلامية بعد أن كانت مشخصة المعالم معروفة المقادير والأعيان يعرفها العام والخاص من المدن والأرياف معرفة الأب لأبنائه وإن كثروا ولم يبق منها مشخصاً ومعروفاً إلا الوحدات التي حفظتها الشريعة الإسلامية.