القبلة من شروط صحة الصلاة ، وعلى المسلم أن يتحرى القبلة ، ويتجه إليها ، وعلى أئمة المساجد حث الناس عليها ، والالتزام بها ، ومن جهل القبلة واجتهد صحت صلاته ، أما من عرف القبلة الصحيحة وأصر على عدم الصلاة إليها فلا تصح صلاته .
القبلة في الصلاة
جاء في فتاوى المجمع الفقهي الأوربي للإفتاء والبحوث :
الاتجاه إلى القبلة ـ الكعبة البيت الحرام ـ في الصلاة: فريضة من فرائض الصلاة بإجماع المذاهب واتفاق الأئمة.
والأصل في ذلك قول الله تعالى:{ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} البقرة: 149
وقد اهتم المسلمون من قديم بتحديد جهة القبلة، ووضعوا لذلك علامات وإشارات وفي عصرنا اخترعوا (بوصلات) وساعات، يحملها الإنسان في يده، وتعين له القبلة في أي مكان في العالم.
وإذا استطاع المسلم أن يحدد القبلة بدقة، فلا يجوز له أن ينحرف عنها عمدًا بلا عذر، وخصوصًا في المساجد، لأن القبلة فيها تبقى على الدوام، فلهذا يحرص المسلمون على التحري والمبالغة في التدقيق، حتى لا يحدث خطأ، يترتب عليه إضاعة القبلة على أهل المسجد إلى ما شاء الله.
وقد رأينا المسلمين الذين يخصصون حجرات أو قاعات للصلاة في الدوائر الحكومية، أو في المطارات أو المدارس ونحوها ـ مما لم يبن في الأصل مسجدًا ـ ولم تكن مستقيمة على القبلة: رأيتهم يرسمون خطوطًا، أو يضعون خيوطًا، تحدد جهة القبلة تمامًا، وإن كانت غير موازية لجدار المكان.
هل يجوز الانحراف الكثير عن القبلة
ولهذا نستغرب من عمل البعض في بعض المساجد، حيث يقرون الانحراف عن القبلة، بصفة دائمة، لا لشخص واحد، ولا لصلاة طارئة. وما يستدلون به مردود عليهم. ولا يصمد للنقد.
فقوله تعالى:{ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} البقرة: 115
هذه الآية نزلت بعد الهجرة تسلية للرسول وأصحابه، الذين أخرجوا من مكة وفارقوا مسجدهم ومصلاهم، كما قال ابن كثير في تفسيرها. وقال آخرون: إنما أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة، ثم نسخها الأمر المتكرر بالتوجه شطر المسجد الحرام في نفس السورة.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية إذنًا من الله أن يصلي المتطوع المسافر على راحلته، حيث توجه من شرق أو غرب. وفي حال المسايفة (القتال المباشر) وشدة الخوف.
وقال غيرهم: هذه الآية نزلت فيمن اشتبهت عليه القبلة، كمسافر في حالة الغيم، ولم يجد دليلاً ولا علامة تهديه إليها، فصلى بالاجتهاد. كما فعل الصحابة في بعض الحالات، فهؤلاء يقال لهم:{أينما تولوا فثم وجه الله}.
وحديث (ما بين المشرق والمغرب قبلة) ـ إن صح ـ معمول به حينما يكون الإنسان في الصحراء، أو في مكان لا تعرف فيه القبلة على وجه الدقة. والحديث مذكور لأهل المدينة ومن على سمتهم حيث القبلة في جهة الجنوب. وأهل اليمن على عكسهم: القبلة في جهة الشمال.
على أن الحديث لم يجئ من طريق صحيح سالم من الكلام فيه، والذين صححوه إنما صححوه بكثرة طرقه، وإن كان كل طريق منها على حدة لا تقوم به الحجة .
ولا نعرف فقيهًا واحدًا أجاز الانحراف عن القبلة عمدًا وقصدًا، مع معرفتها لتحديد جهتها بدقة، وفي جميع الصلوات، وعلى وجه الدوام. قد يجوز هذا لبعض الأفراد، في بعض الأحوال، لبعض الأعذار، وخصوصًا إذا كان الانحراف قليلاً.
أما أن يكون هذا في مسجد، وتقر فيه القبلة على الخطأ عمدًا، ومن غير عذر، فهذا لا يجوز بحال. وطالما صلينا وراء أئمة معتبرين يقولون للمصلين خلفهم: القبلة إلى اليمين قليلاً، أو إلى اليسار قليلاً، حرصًا على إقامة هذه الفريضة التي هي من شرائط صحة الصلاة.
فمن يستمر على الخطأ وتمادا بعد علمه بالصحيح وبالدليل فصلاته باطلة.