يقول الشيخ فيصل مولوي-رحمه الله تعالى- نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء:
أما تاريخ النقود : فقد كان الناس في قديم الزمان يتداولون السلع والخدمات بالمقايضة، وهي مبادلة العين بالعين أو بخدمة معيّنة، كبيع الجمل بألف كيلو من التمر، أو مقابل عمل في خدمة البائع مدّة سنة مثلاً. ولمّا كانت المقايضة تحمل كثيراً من الصعوبات، فقد اهتدى الناس إلى اختيار سلعة أساسية لها قيمة في ذاتها وهي سهلة التداول، فتكون هي المقياس الذي تُقاس به جميع السلع والخدمات. ومن هنا ظهرت النقود كوسيلة للتبادل، واتخذت من الذهب والفضّة لما يتمتّع به هذان المعدنان من قيمة، ولسهولة نقلهما وحفظهما وتجزئتهما إلى قطع صغيرة.
ولقد اتخذت الدولة الرومانية الذهب أساساً لعملتها فسكّت منه الدنانير الرومانية.
بينما اتخذت الدولة الفارسية الفضّة أساساً لعملتها فسكّت منها الدراهم الفارسية.
وكان العرب في الجاهلية يتاجرون مع البلاد المجاورة في رحلتي الشتاء والصيف، فيرجعون من الشام بالدنانير الروميّة الذهبية، ويرجعون من العراق بالدراهم الفضّية الفارسية. وكان العرب يتعاملون بهذه النقود على أساس وزنها، وعلى أساس ما فيها من معدن الذهب أو الفضّة، وذلك لتنوّع الدراهم واختلاف وزنها، ولاحتمال نقصان الدنانير الذهبية من كثرة الاستعمال.
ولمّا جاء الإسلام أقرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التعامل بهذه النقود كما أقرّ الأوزان التي كانت قريش تزن بها الدنانير والدراهم فقال : “الوزن وزن أهل مكّة، والمكيال مكيال أهل المدينة” .
وبذلك اعتبرت نقود الذهب والفضة نقوداً شرعية، وبنيت عليها أحكام المعاملات، وحدّدت بها مقادير الزكاة، وربطت بها أحكام المهور وما إلى ذلك.
وبقي المسلمون يستعملون الدنانير والدراهم الرومانية والفارسية حتّى ضرب عمر رضي الله عنه دراهم جديدة على الطراز الساساني، فتعامل المسلمون بها إلى خلافة عبد الملك بن مروان، حيث ضرب الدنانير الذهبية سنة 74 هجرية، كما ضرب الحجّاج الدراهم الفضيّة سنة 75 هجرية، وبذلك أصبح للمسلمين نقود خاصّة بهم، وتخلّوا عن الدنانير البيزنطية والدراهم الفارسية .
وظلّ الحكّام المسلمون يضربون أنواعاً جديدة من الدنانير والدراهم بأشكال وأوزان ورسوم مختلفة، وبمقدار مختلف من الجودة أو الرداءة، حتّى بدأت الدولة العثمانية في آخر أيّامها بطباعة الأوراق النقدية واستعمالها إلى جانب نقود الذهب والفضة، ثم انتشرت هذه الأوراق بعد الحرب العالمية الأولى في كل بلاد العالم ومنها بلادنا الإسلامية.
وأما الفلوس: فهي جمع فلس، وهي لفظة يونانية لاتينية الأصل “فوليس Follis” ومنها يقال: أفلس الرجل : أي أصبح ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم. والفلوس نقود تصنع من المعادن الخسيسة، وتُستعمل في شراء الأمور البسيطة، وقد عُرفت من قديم الزمان لدى جميع الأمم، ولا تزال موجودة في هذا العصر كوسيلة للتبادل في الأمور الرخيصة.
يقول المازندراني في كتابه “تاريخ النقود الإسلامية” صفحة 157: “إن الناس تجوّزوا فأطلقوا لفظة الفلوس على النقد عامّة، على الفلوس وغيرها، وهو من باب إطلاق الجزء على الكل”.
أما المقريزي في كتابه “النقود الإسلامية” فهو يؤكّد أن الفلوس لا تكون نقوداً أبداً، وأنّ النقود إنّما هي الذهب والفضّة فقط. يقول المقريزي في صفحة 88 وما يليها ما يلي:
وأمّا الفلوس: فإنّه لم تزل سنّة الله في خلقه، وعادته المستمرّة مذ كانت الخليقة وعند كل أمّة من الأمم ( كالفرس والروم وبني إسرائيل واليونان والقبط والنبط والتبابعة …وغيرها من الأمم )، أنّ النقود التي تكون أثماناً للمبيعات وقيماً للأعمال إنّما هي الذهب والفضة فقط.
ولا يُعلم في خبرٍ صحيح ولا سقيم عن أمّة من الأمم، ولا طائفة من طوائف البشر، أنّهم اتخذوا أبداً في قديم الزمان ولا حديثه نقداً غيرهما، إلاّ أنّه لمّا كانت في المبيعات محقّرات، تقلّ عن أن تباع بدرهم أو بجزء منه، احتاج الناس من أجل هذا في القديم والحديث من الزمان، إلى شيء سوى الذهب والفضّة يكون بإزاء تلك المحقّرات. ولم يُسمّ ذلك الشيء أبداً نقداً فيما عرف من أخبار الخليقة، ولا أقيم قطّ بمنزلة أحد النقدين.
واختلفت مذاهب البشر وآراؤهم فيما يجعلونه بإزاء تلك المحقّرات، ولم تزل بمصر والشام وعراقي العرب والعجم وفارس والروم في أول الدهر وآخره ملوك هذه الأقاليم يجعلون بإزاء هذه المحقّرات نحاساً، يضربون منه اليسير قطعاً صغاراً تُسمّى فلوساً لشراء ذلك. ولا يكاد يُؤخذ منها إلاّ اليسير، ومع ذلك فإنها لم تقم أبداً في شيء من هذه الأقاليم بمنزلة أحد النقدين ” .
والله تعالى أعلم.