للسحر تأثيرًا بالنفع والضر، ولكن هذا التأثير لا يكون إلا بإذن الله سبحانه وتعالى، فقد جاء في قوله تعالى: {‏فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ }‏( البقرة:102)

ومن ثم لا نستطيع أن نحكم بأن شخصًا ما قام بطلاق زوجته تحت تأثير السحر أو لا، يكون مرجع الأمر إلى القاضي الشرعي الذي يبحث القضية ويستعين بأهل الشأن الذين يعرفون مثل هذه الأمور، ثم يكون الحكم .

تأثير السحر على تصرفات الإنسان:

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام: يقول الله تعالى:”‏ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ”البقرة:‏102.‏

تفيد الآية الكريمة المذكورة عدة أمور :‏

1- أن السحر حقيقة تاريخية موجودة ، بصرف النظر عن كونه تخيلا يجعل الإنسان ينظر إلى الشيء على غير حقيقته ، أو كونه يقلب الشيء عن حقيقته ويحوله إلى حقيقة أخرى ، والذي يجب الإيمان به أن ما كان من انقلاَب عصا موسى إلى حية ليس سحرا، وإنما هو معجزة من صنع الله تعالى ، خرق بها العادة ، وحول حقيقة العصا الجامدة الميتة إلى حية متحركة بقدرته سبحانه ، ثم أعادها بقدرته أيضا إلى حقيقتها الأولى .‏

2 –  أن للسحر تأثيرًا بالنفع والضر “‏يفرقون به بين المرء وزوجه” .‏

3‏- أن تأثيره لا يكون إلا بإذن الله “‏وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله”.‏

4 –  أن اعتقاد تأثيره بعيدا عن إرادة الله تعالى كفر ، وذلك محل اتفاق .‏

5 –  أن ممارسته من أجل الإضرار بالناس حرام ، حتى مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار .‏

6 – أن ممارسته لتحقيق مصلحة مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله لا حرمة فيها .‏
7‏-  أن تعلمه أو تعليمه يرجع فيه إلى المقصود منه ، فإن كان خيرا كمعرفة الفرق بينه وبين المعجزة، ‏أو استعماله للمصلحة فلا حرمة فيه ، كنوع من الثقافة التي عبر عنها بعض الحكماء بقوله:‏
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه *‏ ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه .‏
وإن كان المقصود من ذلك شرا فهو حرام ، فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى .‏

حكم الطلاق تحت تأثير السحر:

وعن بيان حكم الطلاق تحت تأثير السحر يقول العلامة عبد الوهاب الديلمي (قاض شرعي ووزير العدل الأسبق باليمن)- رحمه الله تعالى-: لو حصل مثلاً أن رجلاً سحر ثم طلق زوجته بتأثير السحر ، فنحن لا نستطيع أن نحكم بهذه الدعوى وأن الطلاق كان بسبب السحر، لكن هذا الأمر يرجع فيه إلى القاضي الشرعي الذي يبحث القضية و ربما يبحث مع أهل الشأن الذين يعرفون مثل هذه الأمور ، فإذا تأكد للقاضي أن الرجل كان خارجًا عن اختياره في هذا الأمر، فمن حقه أن يبطل هذا الطلاق و لا يوقعه فقد جاء في الحديث لا طلاق في إغلاق ، و الإغلاق هو الإكراه ، فإذا قال الإنسان كلمة لا يدركها و لا يعيها فهو كالمكره ـ كالذي يغضب غضبًا شديداً فيخرج عن حد الاختيار فيقول كلامًا لا يدري ما معناه و ما هو ، فهذا يدخل في هذا الباب ، فإذا طلق و هو لا يشعر أنه طلق و أنه مسحور و تأكد للقاضي ذلك فمن حقه أن يبطل هذا الطلاق و يبقي على العلاقة الزوجية .