الصحيح أن الزيادة في الثمن مقابل التسهيل في الدفع أمر جائز شرعا، وهو ما ذهبت إليه المذاهب الأربعة، وما كان الإسلام ليمنع من عقد فيه منفعة للناس، وليس فيه ضرر عليهم، كما أنه يتمشى مع ما تقرره العقول، وتؤيده النظريات الاقتصادية من أن للزمن أثره على النقود بشرط أن يكون ذلك في ظل معاملة ليس فيها محظور شرعي، ومن الشروط المهمة لجواز هذا البيع أن يتفق الطرفان عند العقد على مدة التأجيل،وكيفية السداد،والثمن الإجمالي .

حكم البيع لأجل مع زيادة في الثمن

يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-

ظن كثير من الناس أن وجود فرق في السعر بين البيع بثمن حال والبيع الى أجل بسعر أعلى من الأول يعتبر من باب الربا المحرم.
ولدفع هذه الشبهة لا بد من تفصيل القول في حكم زيادة الثمن مقابل الأجل وقد تعارف الناس على تسمية البيع الذي يشمل زيادة الثمن مقابل الأجل بيع التقسيط.
وصورته أن يتفق البائع والمشتري على بيع سلعة ما بثمن معلوم يفرق على أقساط معلومة ومن المعروف أن ثمن السلعة إذا بيعت بالتقسيط يكون أعلى من ثمنها إذا بيعت حالاً.

وقد اختلف الفقهاء في حكم زيادة الثمن نظير الأجل على قولين:-
القول الأول: لا تجوز الزيادة في الثمن نظير الأجل والزيادة تعتبر من باب الربا المحرم وبهذا قال زين العابدين بن علي بن الحسين والناصر، والمنصور من الهادوية والإمام يحي. وبه قال أبو بكر الجصاص الحنفي .
القول الثاني: تجوز الزيادة في الثمن نظير الأجل وهذا مذهب جمهور الفقهاء بما فيهم فقهاء المذاهب الأربعة ونقل عن جماعة كبيرة من السلف وبه قال كثير من العلماء المعاصرين.

قال ابن قدامة: : (وقد روي عن طاووس والحكم وحماد أنهم قالوا: لا بأس أن يقول: أبيعك بالنقد كذا وبالنسيئة كذا فيذهب إلى أحدهما.
وهذا محمول على أنه جرى بينهما بعد ما يجري في العقد فكأن المشتري قال: أنا آخذه بالنسيئة كذا فقال : خذه. أو رضيت ونحو ذلك. فيكن عقداً كافيا
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في جوابه على سؤال حول البيع إلى أجل (….. وإذا باعه إياه بالقيمة إلى ذلك الأجل فإن الأجل يأخذ قسطاً من الثمن)
وقال الإمام الترمذي صاحب السنن: (إذا قال البائع: أبيعك هذا الثوب بنقد عشرة وبنسيئة بعشرين فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على واحد منهما) انتهى.

أدلة الجمهور بجواز زيادة الثمن مقابل الأجل

احتج الجمهور على قولهم بجواز زيادة الثمن مقابل الأجل بأدلة كثيرة منها:
1- قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وهذه الآية الكريمة عامة تشمل بعمومها البيع بثمنين أحدهما مؤجل أعلى من الآخر.
2- وقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) قالوا: إن من أعمال التجارة البيع بالنسيئة ولا بد من أن تكون له ثمرة ،وتلك الثمرة داخلة في باب التجارة ، وليست داخلة في باب الربا ، والرضا ثابت ؛لأن البيع المؤجل طريق من طرق ترويج التجارة.
3- وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) : فالتقسيط في الثمن لا حرج فيه إذا كانت الأقساط معروفة والآجال معلومة للآية.
4- واحتجوا بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت بريرة فقالت: أني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني…)
قال الشيخ ابن باز معلقاً على هذا الحديث:- (ولقصة بريرة الثابتة في الصحيحين فإنها اشترت نفسها من سادتها بتسع أواق في كل عام أوقية وهذا هو بيع التقسيط ولم ينكر ذلك النبي بل أقره ، ولم ينه عنه ،ولا فرق في ذلك بين كون الثمن مماثلاً لما تباع به السلعة نقدا،ً أو زائداً على ذلك بسبب الأجل .
5- واحتجوا بما روي في الحديث عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله أمره أن يجهز جيشاً فنفذت الإبل فأمره أن يأخذ في قلاص- أي إبل- الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة)، فهذا الحديث واضح الدلالة على جواز أخذ زيادة على الثمن نظير الأجل.

6- واستدل الجمهور بالمعقول فقالوا: إن الأصل في الأشياء والعقود والشروط الإباحة متى ما تمت برضا المتعاقدين الجائزي التصرف فيما تبايعا، إلا ما ورد عن الشرع ما يبطله، ولما لم يرد دليل قطعي على تحريم البيع بالتقسيط، فيبقى على الأصل وهو الإباحة، ومن ادعى الحظر فعليه الدليل، بل قد ورد العكس من ذلك فقد نص الشارع على الوفاء بالعهود والشروط والمواثيق، وإذا كان جنس الوفاء ورعاية العهد مأموراً به علم أن الأصل صحة العقود والشروط، إذ لا معنى للصحيح إلا ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده، ومقصود العقد هو الوفاء به، فإذا كان الشارع قد أمر بمقصود العقود، دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة..

هل يجواز الزيادة في الثمن نظير الأجل

وبعد هذا العرض الموجز أرى رجحان مذهب الجمهور في جواز الزيادة نظير الأجل وقد أقر مجمع الفقه الإسلامي صحة هذه الزيادة وأصدر قراره رقم 53/2/6 ونصه: –

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجده بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: “البيع بالتقسيط” واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر:
1- تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال. كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً وثمنه بالأقساط لمدد معلومة. ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل. فإن وقـع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعاً.
2- لا يجوز شرعاً في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال بحيث ترتبط بالأجل ،سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أمربطاها بالفائدة السائدة.
3- إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم.
4- يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حلَّ من الأقساط ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.
5- يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.
6- لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.