يقول الشيخ محمد صالح المنجد :
أولاً : قضاء الحاجة في المسجد من المحرَّمات فكيف إذا كان في المسجد الحرام ؟
عن أنس بن مالك قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله ﷺ إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله ﷺ : مه مه ، قال : قال رسول الله ﷺ : لا تزرموه ، دعوه ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله ﷺ دعاه فقال له : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن ، قال : فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه . رواه البخاري ومسلم .
والصحابة رضي الله عنهم أخذتهم الغيرة وصاحوا بهذا الأعرابي ، وهموا للقيام بمنعه والإنكار عليه لئلا يُتم بوله ، فيؤخذ من ذلك أنه لا يجوز الإقرار على المنكر ، بل الواجب المبادرة بالإنكار على فاعل المنكر ، ولكن هذه المبادرة كانت ستؤدي إلى أمر أكبر ضرراً ولهذا نهاهم النبي ﷺ ، بل زجرهم عن أن ينهوا الأعرابي ويصيحوا به .
وهذا هو الأمر الأول الذي ينبغي التنبيه عليه، وهو تحريم قضاء الحاجة في المساجد ، وهذا إذا كان سيبول على أرض المسجد ، أما إذا كان ذلك في إناء فذهب بعض العلماء إلى جوازه إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، ومثال الحاجة أن يكون كبيراً في السن أو مريضاً لا يتحمل انحباس البول أو يشق عليه الخروج من المسجد بسبب مرض أو نحوه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “الفتاوى الكبرى ” :
الْبَوْل فِي قَارُورَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , مِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَخِّصُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ اهـ .
ومال رحمه الله في موضع آخر إلى جوازه للحاجة فقال في “الفتاوى المصرية ” :
وَالأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا إذَا فُعِلَ لِلْحَاجَةِ فَقَرِيبٌ اهـ .
ثانياً : إذا أراد الإنسان قضاء حاجته فإنه ينبغي أن يتخلى بحيث لا يراه أحد فيطلع على سوءته .
عن ابن عباس قال : مرَّ النبي ﷺ بقبرين فقال : إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبيرٍ ، وإنه لكبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ، فغرز في كل قبرٍ واحدة ، قالوا : يا رسول الله لم فعلت هذا ؟ قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا .رواه البخاري ومسلم .
ومعنى ” وما يعذبان في كبير ” : أي : لا يشق عليهما تركه ، أو ليس بكبير عندهما .
ومعنى ” وإنه لكبير ” : أي : هو عند الله من الكبائر .
وهذا هو الأمر الثاني الذي ينبغي التنبيه عليه، وهو وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة ، بل في كل حال ، فإذا كانت المسلم قد حرص على هذا فلا حرج عليه إن شاء الله .
ثالثاً : والأمر الثالث الذي ينبغي التنبيه عليه : هو تصريف هذا البول ، فلو احتفظ به في شيء مأمون إلى أن يخرج به خارج الحرم ، أو في مكان لا يتصل بغيره من الطاهرات : لكان أفضل وأحسن ، وأما وضع البول في مكان تصريف ماء زمزم : فإنه قد يُخشى أن يلوِّث بعض الموجودين هناك عند الصنابير ، فإذا كان الماء يذهب بحيث يؤمن تلويث الناس به : فلا حرج في هذا الفعل ، وإن كان الفعل الأول هو الأصوب كما ذكرنا .
والله أعلم .