قال الله تعالى:
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ {26}.
وقال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ {125}
يذكر الله تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم أنه بنى البيت العتيق الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس يعبدون الله فيه وبوأه الله مكانه أي أرشده إليه ودّله عليه.
وقد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن إبراهيم عليه السلام أرشد إليه بوحي من الله عز وجل وقد ورد أن الكعبة بحيال البيت المعمور بحيث إنه لو سقط حجر لسقط عليها وقد ثبت في الصحيحين أن هذا البلد قد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ولم يجئ في خبر صحيح أن البيت كان مبنيًا قبل الخليل عليه السلام. وقد قال الله تعالى:
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ {96}
وقد ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألم ترى إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال: لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها الحجر. وقد بناها ابن الزبير رحمه الله في أيامه على ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما أخبرته خالته عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها فلما قتله الحجاج في سنة 73هـ كتب إلى عبد الملك بن مروان الخليفة إذ ذاك فاعتقدوا أن ابن الزبير إنما صنع ذلك من تلقاء نفسه فأمر بردها إلى ما كانت عليه فنقضوا الحائط الشامي وأخرجوا منها الحجر ثم سدوا الحائط وردموا الأحجار في جوف الكعبة فارتفع بابها الشرقي وسدوا الغربي بالكلية كما هو مشاهد إلى اليوم ثم لما بلغهم أن ابن الزبير إنما فعل هذا لما أخبرته عائشة أم المؤمنين ندموا على ما فعلوا وتأسفوا أن لو كانوا تركوه ثم لما كان في زمن المهدي بن المنصور استشار الإمام مالك بن أنس في ردها على الصفة التي بناها ابن الزبير فقال: إني أخشى أن يتخذها الملوك لعبة يعني كلما جاء ملك بناها على الصفة التي يريد.
وقد قال ابن كثير في كتاب البداية والنهاية
ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيًا قبل الخليل عليه السلام ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت فليس بناهض ولا ظاهر لأن المراد مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وأن الملائكة قالوا له قد طفنا قبلك بهذا البيت وأن السفينة طافت به أربعين يومًا أو نحو ذلك ولكن كل هذه الأخبار عن بني إسرائيل.