القنوت وقت النوازل من واجبات المسلمين تجاه إخوانهم المظلومين والمضطهدين ، وتجاه أمتهم، فهي لإخوانهم لرفع الظلم والعدوان ، ولأمتهم طلبا للنصر والتمكين .
كما أن فيه معنى الالتجاء إلى الله وقت الشدائد ، وإن كان من المسنون أن يتوجه العبد إلى ربه وقت شدته الفردية ، فالالتجاء إلى الله لمصلحة الأمة والجماعة آسن وآكد، وهي من القربات .
فالمسلم لا يعيش داخل دائرة نفسه، فهناك صلة بربه ،وصلة بأهله وعشيرته ، وصلة بوطنه ، وصلة بدينه ، وصلة بإخوانه المسلمين في كل مكان ، بل هناك صلة بينه وبين الإنسانية جميعا ، يسعى فيها لنشر الخير ، ودفع الظلم.
ودفع الظلم مطلوب كل حسب قدرته ، وقد يطلب من المرء أكثر من مستوى يقوم به ، وأقل ما يقوم به المسلم وقت الشدائد الدعاء والقنوت ، وقد جرت السنة بالقنوت وقت الشدة ، فعلها النبي وأصحابه والسلف الصالح ،ومازالت سنة خلفا عن سلف .
وليس من حسن الإخوة ولا من فقه النصرة أن يتقاعس المسلمون بالقنوت في الصلوات، ولهم أن يدعو بما يشاؤون على من اعتدى عليهم ، وظلمهم.

صيغ الثناء على الله قبل الدعاء:

يسن مراعاة آداب الدعاء من الثناء على الله ، والصلاة على نبيه ، ومن هذا الثناء ما ورد في الكتاب والسنة ، ومنه :

-“لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم”.
-“لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَه،ُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلا شَيْءَ بَعْدَهُ”.
-“قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
-“اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ و عَلَى آل مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ و عَلَى آل إِبْرَاهِيْمَ فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”.
-“رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”.
-ومن الدعاء الوارد في الكتاب والسنة : ما قاله المؤمنون من بني إسرائيل زمن طالوت حين قادهم لقتال أعدائهم، فقالوا :” رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”.
-وقد حكى الله تعالى للمؤمنين أنه ما من نبي إلا وجاهد معه مؤمنون ، وكانوا يدعونه سبحانه بالنصر والتمكين ، فقال:” وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”.
-وما قاله آدم عليه السلام ومعه حواء رضي الله عنها عند كربهما ، فدعوا الله تعالى قائلين :” قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”.

-ولما هدد فرعون السحرة الذين آمنوا مع موسى عليه السلام ، توجهوا إلى الله بالدعاء ، فقالوا:”رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ”.
-وقال الذين آمنوا مع موسى عليه السلام أيضا :
” رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”
-وحين وقع فتية الكهف في كرب توجهوا إلى الله تعالى داعين :” رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً”.
-ولا مانع من الدعاء بقوله سبحانه:” رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً”.
-وقد دعا إبراهيم ومن آمن معه قائلين :” رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”.

-وقد كان النبي يدعو عندما يسمع صوت الرعد والصواعق خشية الهلكة بقوله فيما أخرجه أحمد والترمذي :”اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك”، فلا بأس بالدعاء بهذا وقت الشدة .
-ومن عجيب ما ورد أن المشركين حين خرجوا للقاء النبي دعوا بهذا الدعاء الذي أخرجه الطبري في تفسيره :
“اللهم انصر أعز الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين.” فقال الله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يقول: نصرت ما قلتم، وهو محمد .
-وفي غزوة الأحزاب دعا النبي بما أخرجه الشيخان: ” اللهم منزل الكتاب سريع الحساب وهازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم”. وفي رواية :” اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم”.

-ويمكن الدعاء بغير ما ورد في الكتاب أو السنة ، فقد كان النبي يدعو الله أن ينجي بعض الصحابة ويسميهم بأسمائهم ، كما كان يدعو على القبائل التي قتلت المسلمين ،فكان يقول : “اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف “، فلا بأس بالدعاء على الظالمين ، والمعتدين.
ويمكن الدعاء أيضا بما يلي :
-اللهم يا منزل الكتاب ويا مجري السحاب ويا سريع الحساب ويا هازم الأحزاب اهزم أعداء الإسلام والمسلمين ، اللهم اهزمهم وزلزلهم ، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم ، اللهم فرق جمعهم ،اللهم شتت شملهم ،اللهم خالف بين آرائهم ، اللهم اجعل بأسهم بينهم ، اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك، اللهم اشغلهم بأنفسهم عن المؤمنين .
-اللهم لا تجعل لهم على مؤمن يدا وعلى المؤمنين سبيلا .
-اللهم أتبعهم بأصحاب الفيل واجعل كيدهم في تضليل .
-اللهم أرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل .
-اللهم خذهم بالصيحة وأرسل عليهم حاصبا .
-اللهم صب عليهم العذاب صبا .
-اللهم اخسف بهم الأرض .
-اللهم أنزل عليهم كسفاً من السماء.
-اللهم اقلب البحر عليهم نارا ، والجو شهباً وإعصارا .

-اللهم من أرادنا والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره،اللهم نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك.
وعلى الجملة ، فإن كل دعاء يطلب فيه من الله نصرا للمظلومين ، ورفعة للدين ، وتأييدا للمؤمنين ،فهو مشروع ، يؤجر عليه فاعلوه.