الدخول في الإسلام يكون بالنطق بالشهادتين:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن أقر بالشهادتين بلسانه فقد دخل في الإسلام، وأجريت عليه أحكام المسلمين، وإن كان كافرا بقلبه، لأنا أمرنا أن نحكم بالظاهر، وأن نكل إلى الله السرائر.
الدليل على أن الدخول بالإسلام يكون بالنطق بالشهادتين:
2. حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما عند البخاري وغيره: أنه قتل رجلا شهر عليه السيف فقال: (لا إله إلا الله) فأنكر عليه النبي ﷺ أشد الإنكار، وقال: أقتلته بعدما قال: (لا إله إلا الله)؟ فقال: إنما قالها تعوذا من السيف؟ فقال: هلا شققت عن قلبه؟! وفي بعض الروايات: كيف لك بـ (لا إله إلا الله) يوم القيامة؟
3. حديث أبي هريرة: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وما جئت به.
وفي البخاري عن أنس مرفوعا: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
والمراد بـ “الناس” في الحديث مشركو العرب. كما قال العلماء، وكما فسره أنس في حديثه، لأن أهل الكتاب يقبل منهم الجزية بنص القرآن.
والشاهد هنا: إنهم إذا قالوا لا إله إلا الله، دخلوا بها في الإسلام، بدليل عصمة دمائهم وأموالهم، لأن العصمة إما بالإسلام أو بالعهد والذمة، ولا عهد ولا ذمة هنا، فلم يبق إلا الإسلام.
وقد صح هذا الحديث عن عدد من الصحابة بألفاظ متقاربة. ولهذا قال الحافظ السيوطي في “الجامع الصغير”: هو حديث متواتر. قال شارحه المناوي: لأنه رواه خمسة عشر صحابيا.
وقد روى سفيان بن عيينة -أحد أئمة الحديث في زمنه- أنه قال: كان هذا في أول الإسلام قبل فرض الصلاة والصيام والزكاة والهجرة.
وعقب العلامة ابن رجب الحنبلي في كتابه “جامع العلوم والحكم” على هذا بقوله: وهذا ضعيف جدا، وفي صحته عن سفيان نظر. فإن رواة هذه الأحاديث إنما صحبوا رسول الله ﷺ في المدينة، وبعضهم تأخر إسلامه.
ثم قوله: عصموا مني دماءهم وأموالهم، يدل على أنه كان عند هذا القول مأمورا بالقتال، وهذا كله بعد هجرته إلى المدينة.
قال: ومن المعلوم بالضرورة: أن النبي ﷺ كان يقبل من كل من جاء يريد الدخول في الإسلام، الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله مسلما. فقد أنكر على أسامة بن زيد قتله لمن قال: “لا إله إلا الله” لما رفع عليه السيف، واشتد نكيره عليه، ولم يكن النبي ﷺ يشترط على من جاءه يريد الإسلام أن يلتزم الصلاة والزكاة، بل قد روى أنه قبل من قوم الإسلام واشترطوا ألا يزكوا.
ففي مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: اشترطت ثقيف على رسول الله ﷺ: أن لا صدقة عليهم ولا جهاد، وأن رسول الله ﷺ قال: سيتصدقون، ويجاهدون.
وفيه أيضا عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أتى النبي ﷺ فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه.
قال ابن رجب: وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث وقال: يصح الإسلام على الشرط الفاسد، ثم يلزم بشرائع الإسلام كلها.
واستدلوا أيضا بأن حكيم بن حزام قال: بايعت النبي ﷺ على أن لا أخر إلا قائما.
قال أحمد: معناه أن يسجد من غير ركوع اهـ. كلام ابن رجب
والذي يهمنا من هذه النقول أمران:
الأول: أن الدخول في الإسلام إنما يكون بالشهادتين، وإذا اقتصر في بعض الأحاديث على شهادة التوحيد، فهو إما من باب الاكتفاء أو الاختصار من بعض الرواة. وإما لأن مشركي العرب المقصودين بكلمة “الناس” في الحديث، لم يكونوا ليقروا بشهادة التوحيد إلا إذا شهدوا لمن جاء بها، ودعا إليها، وهو محمد رسول الله.
ولهذا جاء عن بعض السلف: الإسلام الكلمة. يعني: كلمة الشهادة.
وأما الصلاة والصيام وسائر شرائع الإسلام وفرائضه فإنما يطالب بها بعد أن يصبح مسلما إذ هي لا تصح ولا تقبل إلا من مسلم. أما الكافر فلا صلاة له ولا صيام ولا حج… الخ… لفقدانه شرط القبول… وهو الإسلام.
والثاني: ما دلت عليه الأحاديث الأخيرة التي ذكرها ابن رجب، والتي رواها إمام السنة أحمد بن حنبل من المرونة وسعة الأفق، التي كان يعالج بها النبي ﷺ الأمور، ويواجه بها المواقف. وخصوصا مع الداخلين في الإسلام.
فقد قبل من بعضهم ما رفضه من غيرهم. فقد جاء عن بشير بن الخصاصية أنه أراد أن يبايع النبي ﷺ على الإسلام دون أن يتصدق أو يجاهد، فكف يده عنه وقال: يا بشير، لا جهاد ولا صدقة! فبم تدخل الجنة إذن؟!
ولكنه قبل هذا من ثقيف، لعلمه بأنهم لن يجمدوا على هذا الموقف، وأنهم إذا حسن إسلامهم سيصنعون ما يصنع سائر المسلمين، ولهذا قال في ثقة عنهم: سيتصدقون ويجاهدون.