الإسلام في ثوابه وفي عقابه لا يَعرف إلا نوع العمل الذي يُباشره مَن آمَن به، نقرأ قول الله تعالى: (ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَن ليْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) (النجم: 38 ـ 40).
ففي هذه الآيات يُصرِّح القرآن:
أولاً :بأن خطأ أي إنسان يتحمَّله المُخطئ نفسه، ولا يتحمَّله إطلاقًا غيره..
ثانيًا :بأنه لا يُحسَب للإنسان إلا سعْيُه هو في سبيل العمل الصالح، وأنه يُجزَى الجزاء الأوفَى عليه وحده، دون شيء آخر.
ومعنى ذلك:أن الإسلام لا يُدخِل زمانًا أو مَكانًا في جزاء الإنسان، إذا تُوفِّي في شهر مُعين أو يوم خاصٍّ، أو إذا تُوفِّي في مكان معين أو موضع بالذات. فالأيام كلها سواسية، والأمْكنة كلها واحدة، لا تُغيِّر ممَّا يتأسَّس عليه جزاء الإنسان شيئًا؛ إذْ إن ما يقوم عليه الجزاء هو العمل للإنسان، دون سواه مِن نسَبه، أو مكان وَفاته، أو زمان وِلادَتِهِ.
والقرآن وما فيه من مبادئ يُحدِّد منهج الحياة للمُؤمن به، كي يكون إنسانًا في سلوكه وفي علاقته بالآخرين معه في أسرته وفي مجتمعه، والإنسان في السلوك وفى العلاقة مع الآخرين معه هو الذي يُحب لنفسه، كما يحب لغيره، هو الذي يَكْظِمُ غَيْظَه مِن إساءةِ الآخرينَ، ويَعْفو عنهم، هو المُحسن لغيره، هو الذي لا يُشرِك بالله إِنسانًا، أو مُؤَسَّسةً أو حِزْبًا، أو صنَمًا معه في العِبادَة، هو الذي لا يُباشِر الجرائم الاجتماعية مِن قَتْلٍ للنفس بغير حقٍّ، واعتداء على الأعراض، والأموال، هو الذي لا يُباشر الزور والباطل، ولا يُشارك في لَغْوِ الأحاديث وتفاهات التافهينَ، فجزاء الله للإنسان إذن مُرتبط بما يُقدمه الإنسان لنفسه ولمُجتمعه من أعمال تعود بالخير والرضا النفسيِّ.
وشهور: رجب، وشعبان، ورمضان، تتحرك في أيامها على مَدار السنة الشمسية وفُصولها، قد تكون في الصيف وقد تكون في الخريف أو الشتاء، أو الربيع، ومعنى اعتبارها وإدخالها في تحديد جزاء الإنسان في الآخرة: أن الأيام ذاتها كلَّها لها دَخْل في ذلك. وهذا بَعيد كل البُعْد عن رُوح الإسلام وهدَفه فهو يَعتَبِر العمل الذي يقع في الأيام، وليستِ الأيام التي هي ظرف للعمل..
وما يُروَّج عن الأيام والشهور والأمكنة، وقيمتها في تحديد مستقبل الإنسان يُراد منه تبرير التواكُل وتوهين قيام الإنسان بمَسئوليته، أي يُراد منه النزوع إلى الاتجاه السلْبي في الحياة.