حديث (سلوا يرحمكم الله) رواه الإمام السيوطي في كتابه الجامع وذكر أنه حديث ضعيف ولو ثبتت صحته فليس هناك تعارض بينه وبين حديث النهي عن كثرة السؤال لأن السؤال الذي يؤجر عليه المسلم هو السؤال فيما يفيد وينفع ويحتاج إليه في دينه ودنياه، أما السؤال الذي نهينا عنه فهو السؤال المُتكَلف الذي يكون فيه إضاعة للوقت والجهد ولا يترتب عليه عمل.

المقصود بالنهي عن كثرة السؤال

يقول فضيلة الدكتور أحمد الشرباصي –رحمه الله- من علماء الأزهر:
ذكر الإمام جلال الدين السيوطي في الجزء الثاني من كتابه “الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير” أن عليَّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ روى حديثًا يقول: “العِلْمُ خزائن، ومِفْتاحها السؤال، فَسَلُوا يَرْحَمُكُمُ الله، فإنه يُؤْجَر فيه أربعة : السائل والمُعَلِّم والمُسْتمع والمُحبّ لهم. وذكر الإمام السيوطي أنه حديث ضعيف.

ولو ثَبَتت صِحة هَذَا الحديث لَمَا كَانَ هناكَ تَنَاقُض بينه وبين نهي الرسول ـ ـ عن كثرة السؤال في الحديث الآخر، وعن قيل وقال؛ لأن السؤال الذي يُحبه الدين ويحثُّ عليه هو أن يسألَ الإنسان عمَّا يحتاج إليه، وعن الأمور التي تُفيده في دينه أو دنياه، وأما كثرة السؤال المَنهي عنها فهي أن يُضَيِّعَ الإنسان وقته ووقت غيره في السؤال عمَّا لا يُفيد ولا ينبع، أو عن أشياء لا تخصه ولا تعنيه، ولعلَّ هذا هو بعض ما نفهمه من قول الله تبارك وتعالى: (لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) المائدة آية:101

النهي عن كثرة السؤال فيما لا ينفع

أما القيل والقال الذي نهى عنه الحديث فالمُراد به هو تضييع الجهد والوقت في كلام ينهض على الظن أو الإشاعة أو التوهم، دون مصلحة فيه أو فائدة منه، وأمثال هذا الكلام مَفسدة أيّ مَفْسَدة، وهو يَمْحَق جهودًا وأوقاتًا كان ينبغي أن يستفيد بها أصحابها في إدْراك غاية، أو نوال منفعة، بأن ينفقوها في جهد مُثمر أو عمل مُنتج، حتى يُدركوا ما ينهض بهم، وينالوا ما يجعلهم في الحياة سُعداء.

وقد ذَكَر الإمام ابن الأثير أن “القِيل والقَال” هو فضول ما يتحدث به المتجالسون من قولهم: قيل كذا، وقال كذا. وبعض العلماء يقول : إن “القِيل والقال” هو كثرة الكلام بلا مُوجِب، وبعضهم يقول: إنه حكاية أقوال الناس، والبحث عمَّا لا يُجدي على الإنسان خيرًا، ولا يَعنيه أمره.

وهناك ارتباط بين كثرة السؤال والقِيل والقال، فإن كُلًّا منهما تضييع للوقت والجهد، وكل منهما اشتغال بما لا يُجدي ولا يُفيد، وأما السؤال عما يُفيد وينفع فغير ممنوع شرعًا، والدليل على ذلك أن القرآن الكريم ذكر كلمة “يسألونك” عِدة مرات، وأجاب الله على كل سؤال، ولو كان السؤال ممنوعًا شرعًا لما كان هناك جواب على هذه الأسئلة.