الخرافة تكاد لا تخلو منها كافة المجتمعات البشرية على مر عصورها وتنوع ثقافاتها حتى طالت طرفا من المتعلمين وكثرة من الجاهلين .. فبيئة الجهل هي أخصب عش تبيض فيه الخرافة وتفرخ.

والغريب في الخرافات أنها تخللت حياة البشر كلها من أيامهم وأغراضهم وبيئتهم وأرضهم وسمائهم وشخوصهم، وتعلقت بمشاعرهم وأحوالهم من التفاؤل والتشاؤم والرزق والإنجاب والحل والترحال حتى النوم والموت والبعث.

وما انتشرت الخرافات في أمة إلا كانت نذير شؤمها ودليل جهلها وعلامة سقوطها، فالخرافة قرين الفاحشة، غير أن الفاحشة تؤجج الشهوات والخرافة تؤجج الخزعبلات وتغيب المعقولات.

والخرافة لا تستند إلى نقل صحيح أو رأي حصيف «غير قابلة للتبرير» .. فهي أشبه بالشجرة العظيمة التي لا جذور لها راسخة، فهي على كبرها وضخامتها ما أسهل تهاويها أمام واقعها، لذلك عرفوا الخرافة بأنها ما يستملح من الكذب، فالخرافة لا تخلو من التشويق والتهويل وهذا سر سرعة انتشارها، كما أنها عارية من الدليل النقلي أو العقلي وهذا سر تنوعها وتعددها لأنها محض كلام مرسل لا تعوزه مشقة استجلاب الدلائل. ومن سمات الخرافة أيضا الافتقار للموضوعية، وكذلك احتماء بعضها وراء المفاهيم الدينية والعقائدية وتسترها خلفها لما للدين سلطان على القلوب ووقع في النفوس.

والخرافة تختلف عن الشائعة .. فالشائعات تنفجر لتفسير موقف غامض وسرعان ما تختفي بظهور الأسباب الحقيقية واتضاح الرؤية، المشيع غالبًا ما يتعمد إصدار شائعته لخدمة أغراض معينة يعلم أنها باطلة، أما الخرافة فهي تفسير لظاهرة مستمرة يتكرر حدوثها في حياة الناس.

حكم تصديق من يدعي علم الغيب:

هناك نشرات كمثل هذه النشرة مثلا جاء فيها ((أما بعد أنا فتاة في الثالثة عشرة من عمري ، عجز الأطباء عن علاجي عند ذلك زرت مقام السيدة زينب رضي الله عنها أخت الإمام الحسين رضي الله عنه حامل راية كربلاء لما طلبت من الله شفائي وبقيت حتى غالبني النوم في مقام السيدة زينب رضي الله عنها وفي منامي فسكبت الماء في حلقي وقالت لي قومي قد شفيت بإذن الله وأوصتـني كتابة الواقعة ( 12 ) مرة وتوزيعها على الناس ووضعت الورقة في يد رجل فقير فقام بتوزيعها على الناس وبعد ( 12) يوماً أصبح غنياً ، ووضعت الورقة في يد رجل موظف فلم يهتم بها وبعد ( 12 ) يوم فقد وظيفته .
ووضعت الورقة في يد رجل عجوز فلم يهتم بها وبعد ( 12 ) يوم وضع في السجن ووضعت الورقة في يد رجل غني فلم يهتم بها وبعد ( 12 ) يوم فقد ثروته فعلى كل رجل وامرأة أن يصور الورقة ( 12 ) مرة يحصل بإذن الله وبركات السيدة زينب رضي الله عنها ما يتمناه بعد ( 12 ) يوم فإن لم يفعل فسوف تصيبه مصيبة بعد 12 يوما)) .

فهذه النشرة وأمثالها هي من أعمال الدجالين والمجترئين على الله ، وما جاء فيها كذب ودجل ورجم بالغيب وغرس لروح التواكل المذموم شرعاً وعقلاً .

تصديق الدجالين والمشعوذين:

يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :ـ

إن هذه النشرة وأمثالها من عمل الدجالين والخرافيين والمجترئين على الله سبحانه وتعالى وما جاء فيها كذب ودجل وتقول على الله سبحانه وتعالى ورجم بالغيب .
ودين الإسلام لا يقر بهذه الخزعبلات والخرافات البالية والإسلام قد شرع الأخذ بالأسباب لعلاج الأمراض ولم يشرع الذهاب إلى أصحاب القبور الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً .
وما جاء في هذه النشرة أن من وزعها يصير غنياً بعد اثني عشر يوماً لهو من الكذب الصراح والواقع يكذبه .
وكذلك ما جاء بتهديد من لم يكتبها بأن مصيبة تلحق به بعد اثني عشر يوماً فهذا تقول على الله سبحانه وتعالى فما يصيب الإنسان في غده لا يعلمه إلا الله وهو مما استأثر الله بعلمه ، فقد قال سبحانه وتعالى :( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ) . فهذه أمور غيبية لا يعلمها إلا الله جل جلاله .
يقول الله تعالى :( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) . ويقول أيضاً:( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) .
‏ وعلى الناس أن يحذروا من هذه الخرافات وأمثالها ولا يجوز لهم نشرها وتوزيعها .