حكم ترقب ظهور المهدي:

يقول العلامة المحدث الشيخ نصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ : إن كثيراً من المسلمين قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي ، وهذه خرافة وضلال ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة ، وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقاً بل هي كلها لا تخرج عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر برجل من أهل بيته ووصفه بصفات بارزة من أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام الشيخ.

رؤيا الرضاع من القمر:

ما يقال إن إمرأة رأت أنها ترضع القمر فلما سألت الشيخ عن هذا استحلفها على ذلك فحلفت، فقال: إن المهدي المنتظر قد ولد في هذه الليلة فهل هذا صحيح ؟

وتفسير رؤيا الذي يرضع من القمر على أنه قد ولد المهدي المنتظر هو نوع من الاجتهاد في الرؤيا الذي يحتاج إلى بحث ومراجعة، وخاصة أن الرؤيا تختلف من شخص إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى، فإن تأويل المرئي يختلف باختلاف الرائين، وإن كان المرئي واحدا، ولا ينبغي أن يقف تأويل الرؤيا عند حد معرفة الرموز بما هو مكتوب في كتب الرؤى كابن سيرين والنابلسي وغيرهما ، فتحقيق تأويل الرؤيا موهبة من الله تعالى، مع صلاح الحال ظاهرا وباطنا، فيكون التوفيق من الله تعالى .

وتأويل الرؤيا الصحيح يكون بمعرفة الملابسات المحيطة بالرؤيا ، حتى يتسنى إتيان التأويل على الوجه الصحيح.

وإن كانت الرؤيا لا ينبني عليها حكم شرعي ، من حل أو حرمة، أو غيرهما، فإنه لا ينبني على الرؤيا شيء من العقائد .
والمهدي المنتظر جاءت به أحاديث كثيرة، منها الصحيح والضعيف والموضوع ، والراجح أنه حقيقة لا تنكر، والخلاف حول ماهية هذا المهدي، ولكن ليس كل من يدعي أنه المهدي يكون هو المهدي المنتظر، وعلى الجملة فالإيمان به واجب ، ولكن من أنكره لا يمكن الحكم عليه بالكفر أو الخروج عن الملة .ورسالة المهدي من إقامة العدل بين الناس في الأرض هي رسالة المسلمين التي يجب أن يسعوا لإقامتها.
ونحذر المسلمين جميعا من أن يتواكلوا على هذه الرؤيا سواء صحت أن لم تصح، ولكن عليهم أن يعملوا حتى يحققوا النصر بأنفسهم، لأن الصحابة كان بينهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى الرغم من هذا لم يتواكلوا ولكن اجتهدوا معه حتى يحقق الله النصر على أيديهم .

خلاف العلماء حول ظهور المهدي:

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: هذه القضية فيها خلاف كبير بين العلماء ، فهناك من أنكر المهدي ، وقد ضعف ابن خلدون الأحاديث التي وردت في المهدي ، و لم يرد في الصحيحين شيء عنه ، لا في البخاري ولا في مسلم ، ولا في السنن، بحيث لا يخالف فيها أحد ، وقد أنكر الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية الأسبق في قطر قيام المهدي ، وألف كتابا في هذا في مطلع القرن الخامس عشر الهجري ، وقد راجعته فيه أنا والشيخ ناصر الدين الألباني في هذا الأمر، فأصر الشيخ عبد الله على رأيه في أنه لا يوجد مهدي منتظر ، وأنا أقول :

ما هو المهدي ؟ لنفترض أن الأحاديث عنه صحيحة ، ليس هناك دعوة تسمى الدعوة المهدوية ، إنما المهدي حسب ما تشير إليه الأحاديث في هذه القضية هو رجل يحكم بشريعة الإسلام، ويقيم العدل في الأرض، يملأ الأرض عدلا، كما ملئت ظلما وجورا .

فإذا وجد الناس هذه الحقيقة، فإن هذا هو المهدي الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لن يأتي ويقول: أنا المهدي، لا المهدي حينما يظهر ويملأ الدنيا عدلا يقول الناس: هذا الذي بشرت به الأحاديث.انتـهى

ويقول الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله :
خبر ظهور المهديِّ جاءت به نصوص السنة الصريحة، وأنه سيكون أول ظهوره بمكة المكرمة، وسيكون قبل نزول المسيح عيسى بن مريم، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وسيظل قائمًا بأمر المسلمين، يَتولَّى شئونهم ويقودهم في جهاد عدوهم، حتى ينزل المسيح ابن مريم حاكمًا بشريعة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ منفِّذًا لقواعد الإسلام.

والمفهوم من جو الأحاديث الخاصة بالمهديِّ أنه قائد عربيٌّ مناضل مجاهد، يحاول نشر العدالة ورفع الظلم، كما جاء في الأحاديث الخاصة في أسلوب صريح واضح. وأنه ينزل سيدنا عيسى عليه السلام وقد أُقيمت الصلاة فيَتنحَّى المهديُّ للمسيح من إمامة المسلمين في تلك الصلاة، فيدفعه المسيح عيسى ابن مريم بين كتفَيه ويقول له: لك أُقيمَت فصَلِّ. فيصلي بالمسلمين تلك الصلاة، ثم يتسلم سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام القيادة منه، ثم يذهب إلى الدجال فيقتله.
ونفهم من الأحاديث الواردة فيه أنه ليس خاصًّا ببقعة من الأرض كنيجيريا مثلاً أو غيرها وإنما قائد للمسلمين، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “يملأ الأرض عدلاً كما مُلئَت ظلمًا وجَورًا.

والجو العام لأحاديث المهدي يبشر بتحقيق الدولة العالمية التي تضم جميع أقطار الأرض تحت راية واحدة، وهي راية العدل والخير والحق، وهو أمل يسعى له كثير من الذين يريدون للإنسانية خيرًا ويظنون بها خيرًا، وهو حلم راود الكثيرَ من الفلاسفة، خطَّط له الفارابي مثلاً حينما كتب عن عالمية الحكم بمناسبة كتابته عن “المدينة الفاضلة”.انتهى

ويقول الشيخ المحدث عبدالله الصديق الغماري من علماء المغرب العربي:
حديث المهديّ متواتر أيضًا؛ لأنه ورد عن النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ من طريق ثلاثين صحابيًّا بأسانيدَ وطرقٍ متعددة مُخَرَّجة في كتب السنة الصحاح والسنن والجوامع والمُصَنَّفات وغيرها.
ونَصَّ على تواتره الحافظُ أبو الحسين السِّجْزِيّ والقرطبيّ صاحب التفسير والحافظ ابن حجر والحافظ السخاويّ وغيرهم .

وألَّف الإمام الشوكانيّ: في بيان تواتر حديث المهديّ والدجال ونزول عيسى كتابًا خاصًّا سمَّاه” التوضيح لبيان تواتر حديث المنتظر والدجال والمسيح” أطال فيه وأطاب، وهو كتاب جيد، وقد طُبِع بالهند. وقد نُصَّ على هذا في كتب العقائد المُتداوَلة المشهورة .

والأحاديث عن المهديِّ أيضا تذكير للمسلمين بأن من رسالتهم إزالةَ الظلمِ والجَورِ من العالم أجمع، ونشرَ الحق والخير وتحقيقَ العدالة.انتهى

وفي فتوى مطولة للشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر- رحمه الله تعالى-، هذه خلاصتها :
إن ظهور المهدي ليس له دليل صريح في القرآن الكريم، وقد رأي ابن خلدون عدم ظهوره كما جاء في الفصل الذي عقده في مقدمته خاصًّا بذلك والشوكاني ألف كتابًا سماه “التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال المسيح ” جاء فيه أن الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثًا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شُبْهة.
ومهما يكن من شيء فإنَّ ظهوره ليس ممنوعًا عقلاً، ولم تَثْبُتْ استحالته بدليل قاطع كما أن أدلة ظهوره لم تسلم من المناقشة، والعقائد لا تثبت بمثل هذه الأدلة على ما رآه المحققون. فمن أثبت فهو حُرٌّ فيما يُرى، لكن لا يجوز أن يفرض رأيه على غيره، ومَنْ نَفَي لم يخرج من الإيمان إلى الكفر.

وأولى لنا أن نناقش في أمر عملي يعيد لنا قوتنا الأُولى، أو على الأقل يُخَلِّصُ المسلمين من الوضْعِ الذي هم فيه الآن والعقائد الأساسية واضحة، وأدلتها موفورة. انتهى

ويقول الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين :
لا بد من التنبيه على بعض الأمور المتعلقة بالمهدي :
1. أن المهدي رجل يعود نسبه إلى آل البيت رضي الله عنهم ويحكم بشرع الله كما وردت بذلك الأحاديث ، قال الإمام أبو الحسن السجستاني : ” وقد تواترت الأخبار واستفاضت عـن رسول الله بذكـر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً ” .

2. إن المهدي الذي يعتقد به أهل السنة والجماعة هو غير المهدي المنتظر عند الشيعة الإمامية فالشيعة يعتقدون أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري الذي دخل السرداب وعمره تسع سنين وذلك سنة ( 265 هـ ) وهم ينتظرون خروجه وهذه عقيدة باطلة فاسدة وخرافة لا حقيقة لها .

3. لا يصح الاعتقاد بأنه لن تقوم للإسلام قائمة ولا دولة إلا بظهور المهدي المنتظر ولا يجوز للمسلمين ترك العمل لقيام دولة الإسلام اعتماداً على ظهور المهدي فهذا أمر باطل .