ما يتوصل له علماء الطبيعة من أمور، تتيسر بها حياتهم لا يعد تدخلا فيما استأثر الله بعلمه، وليس ضد العقيدة، لأن المواد المستخدمة هي من صنع الله، ولم يفعل العلماء سوى إدراك جزء من علم بفضل الله تعالى.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر-رحمه الله تعالى- من كبار علماء الأزهر:
كلنا يعلم أن تكاثُف بُخار الماء الموجود في السحاب وفي الجو عامّة يحدث لعواملَ، فينزل المطر أو النّدى، وليس في ذلك مشاركة لقوله تعالى (ويُنزّلُ الغَيثَ) ( لقمان : 34) لأن تكوُّن السحاب وامتلاء الجو ببخار الماء على هذا النطاق الواسع هو صنع الله بالوسائط الذي خلقها، فهو الخالق للبخار ولحرارة الشمس والمتحكم في برودة الجو، وكذلك في الرياح وسوقها للسحاب وبقدرته أن يتحكم فيها فلا تنتج أثرًا، كما قال سبحانه:(ألَمْ تَرَ أنَّ الله يُزجِي سَحابًا ثم يؤلِّف بينَه ثم يجعلُه رُكامًا فترى الوَدْقَ يَخرُج من خِلاله وينزِّل من السَّماء من جِبالٍ فيها من بَرَدٍ فيُصيب بِهِ مَنْ يَشاء ويصرِفه عَمَّن يشاء ) (سورة النور : 43) .
إن العمليات التي يحاول بها بعض الناس إسقاط المطر من السّحاب لها نظائر في نطاق ضيق، في عمليات فصل الملح عن الماء ليصير عذبًا، فهي تدور على التبخير والتكثيف، كما يحدث في الأنبيق الذي تستخرج به العطور، وليس عملهم هذا تدخُّلاً في صنع الله ، بل هو تصرُّف واستخدام للمادة التي خلقها الله، ولا يمكن لأحد أن يخلُق الحرارة والبرودة أو الماء بوسائطَ أو موادَّ غير ما أوجدَه الله في الكون.
ومع ذلك فالمحاولات لا تغني، لأن كثيرًا من بلاد هؤلاء العلماء تشكو الجَفاف وقلة الماء وهلاك الزرع والحيوان، فلو أمكنهم التحكُّم في المطر والماء والريح كما يتحكّم الله ليُغاثوا من القحط ما سكتوا، فقدرة الله فوق قدرتهم، وإرادة الله فوق إرادتهم، كما أن مداواة المَريض بموادّ خلقها الله لا تبرِّر إسناد الشفاء الحقيقي إلى غير الله.
وإلى جانب عجزهم عن الإغاثة من القحط، عجَزوا عن دفع ما يقع من العواصف والصواعق والسُّيول والزّلازل والبراكين على بلاد المتحضِّرين المزهُوِّين بعلومهم واختراعاتهم، كل ذلك يَزيدنا إيمانًا بقولِه تعالى:( يا أيُّها النّاسُ أنْتُمُ الفُقراءُ إلى اللهِ والله هو الغَنِيُّ الحميد إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ويأتِ بخَلْق جَديدْ ومَا ذَلكَ عَلى اللهِ بعَزيزٍ ) ( سورة فاطر : 15 ـ 17).