الحب عاطفة نبيلة يسمو بها الإنسان و قد ودعها الله في البشر ، والمحبة أنواع ويختلف حكم كل محبة منها باختلاف سببها.
يقول الشيخ يوسف القرضاوي :
الحب أنواع ومراتب وأعظم أنواع الحب هو الحب في الله، يعني أن يحب الإنسان غيره لا لمنفعة ولا لشهوة ولا لقرابة ولا لخدمة أدَّها له ولكن يحبه لله، معنى يحبه لله أي يحب هذا الإنسان لأنه رجل صالح لأنه رجل مؤمن لأنه رجل على خلق لأنه رجل ينفع الناس لأنه رجل يقدم خيراً للإنسانية فيحبه من أجل هذا من غير أن ينال منه أي نفع ولذلك جاء في صحيح مسلم أن رجلاً أراد أن يزور رجلاً فأرسل الله له على مدرجته ملكاً في الطريق في صورة رجل وسأله: أين تذهب؟ قال: أريد أن أزور أخي فلان، قال: ألقرابة بينك وبينه؟ قال: لا، قال: أفبنعمة له عندك؟ ـ أي قدم لك خدمة فأنت ذاهب لتكافئه، أي خدمة بخدمة وإحسانا بإحسان؟ ـ قال: لا، قال: فما الذي .. قال: أحبه لله، قال: أبشِر فإن الذي تحبه من أجله بعثني لأبشرك بأنه يحبك لحبك إياه، هذا التحاب في الله والذي جاء فيه الحديث “رجلان تحابا في الله عز وجل اجتمعا عليه وتفرقا عليه” اجتمعا على الحب في الله وتفرقا على الحب في الله، وهؤلاء يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي الحديث القدسي: “وجبت محبتي الذين يتحابون من أجلي ووجبت محبتي للمتبادلين من أجلي ووجبت محبتي للمتزاورين من أجلي.
أما عن أقسام المحبة فإن المحبة تختلف باختلاف السبب المولد لهذا الحب ، فأحيانا تحمد المحبة ، وأحيانا تذم ، يقول
أنواع المحبة وحكم كل واحد منها:
يقول الشيخ محمد صالح المنجد:
تنقسم المحبّة إلى محبة خاصّة ومحبّة مشتركة، والمحبّة الخاصّة تنقسم إلى محبّة شرعية ومحبة محرمة .
فالمحبة الشرعية أقسام :
1- محبة الله وحكمها أنها من أوجب الواجبات وذلك لأن محبته سبحانه هي أصل دين الإسلام فبكمالها يكمل الإيمان . وبنقصها ينقص التوحيد ودليل ذلك قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ )البقرة 165 ، وقوله : ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة 24 . وغيرها من الأدلة في القرآن والسنة . وهي تتمثل في إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده ، فيحب ما أحب الله ويبغض ما يبغضه الله ، ويوالي ويعادي فيه ، ويلتزم بشريعته والأسباب الجالبة لها كثيرة .
2-محبة الرسول وهي أيضاً واجبة من واجبات الدين ، بل لا يحصل كمال الإيمان حتى يحب المرء رسول الله أكثر من نفسه كما في الحديث : ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . رواه مسلم رقم 44 وحديث عبد الله بن هشام قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآنَ يَا عُمَرُ . رواه البخاري فتح رقم 6632 . وهذه المحبّة تابعة لمحبة الله تعالى وتتمثل في متابعته ﷺ وتقديم قوله على قول غيره .
3- محبة الأنبياء والمؤمنين وحكمها واجبة لأن محبة الله تعالى تستلزم محبة أهل طاعته وهؤلاء هم الأنبياء والصالحين ودليله قوله عليه السلام ” من أحب في الله ” أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك ، ولا يكتمل الإيمان أيضاً إلا بذلك ولو كثرت صلاة الشخص وصيامه ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لقد رأيتنا في عهد رسول الله وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم .
والمحبة المحرمة :
منها ما هو شرك : وهو أن تحب من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى فهو قد اتخذ نداً وهذا شرك المحبة وأكثر أهل الأرض قد اتخذوا أنداداً في الحب والتعظيم .
ومنها ما هو محرّم دون الشرك : وذلك بأن يحب أهله أو ماله أو عشيرته وتجارته ومسكنه فيؤثرها أو بعضها على فعل ما أوجبه الله عليه من الأعمال كالهجرة والجهاد ونحو ذلك ودليله قوله تعالى : ( إن كان آباؤكم … إلى قوله تعالى : أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره )
فهذا الذي مضى هو المحبة الخاصة بأقسامها .
أما المحبة المشتركة فهي ثلاثة أنواع :
أحدها : طبيعية كمحبة الجائع للطعام ،والظمآن للماء وهذه لا تستلزم التعظيم فهي مباحة .
الثاني : محبة رحمة وشفقة كمحبة الوالد لولده الطفل وهذه أيضاً لا تستلزم التعظيم ولا إشكال فيها .
الثالث : محبة أنس وألف كمحبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضاً فهذه الأنواع التي تصلح للخلق بعضهم بعضاً وكمحبة الأخوة بعضهم لبعض ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله تعالى .انتهى
وبهذا البيان تبين أن الحب الأول يكون لله أولاً ثم رسوله.
أما الحب الذي يكون للمصلحة فهو حب ساذج .
أما الحب من أجل الشهوة المحرمة فهو حب دنيئ بكل صوره.
المحبة بين الطالبات في المدرسة:
إن كان الذي يحدث في المدرسة من قبيل التحاب في الله ،ولا يخرج عن حب المسلم لأخيه المسلم ، و لا تدخل فيه الشهوة المحرمة بأي صورة من صورها فلا بأس به ، أما إن كان هذا الحب مغموساً في الشهوة المحرمة ؛ فإنه حب محرم مرفوض ، وقد توعد الله عزوجل من يمشي في هذا الطريق المعوج بالخزي والندامة في الآخرة يقول تعالى :{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} فالصداقة التي تنشأ بين الناس في الدنيا تجعلهم أحد فريقين في الآخرة : إما أن يكونوا من أصحاب اليمين ، و إما أن يكونوا من أصحاب الشمال ، فالصداقة التي تكون على الإيمان و التقى تجعل أهلها من أهل اليمين ، أما الصداقة التى عقدها الشيطان و قامت على الشهوات المحرمة تجعل أهلها من أصحاب الويل والثبور في الآخرة ، ومثل هذه العلاقات و الصدقات تجعل أهلها يوم القيامة يتعادون و يكفر بعضهم بعضا و يلعن بعضهم بعضا ، و كل منهم يلقى اللوم على الآخر ، أما الذين يتحابون في الله فهم الذين يعنيهم الله في الحديث القدسي : “وجبت محبتي الذين يتحابون من أجلي ووجبت محبتي للمتبادلين من أجلي ووجبت محبتي للمتزاورين من أجلي.