حذَّر الشارع من الكذب عامة على الخلق، وشدَّد في الكذب على الله أو على رسول الله، ومن الكذب على رسول الله أن يعمد بعض الناس إلى أن يقول: إنه رأي في منامه كذا وكذا مما لم ير، وذلك ليرهب بهذا الحديث عدوا له أو يريد أن يرفع من قدر نفسه عند الناس، أو يوهم الناس أنَّه من أولياء الله الذين يرون الرؤيا فتقع كفلق الصبح، والحكمة في تشديد هذا الوعيد أن الرؤيا الصالحة كما جاء في الحديث الصحيح هي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة } فمن يفتري الكذب في المنام إنما هو معتدٍ على جزء من أجزاء النبوة.
قال الحافظ المناوي في فيض القدير:
والرؤيا جزء من أجزاء النبوة والمنام طرف من الوحي فإذا كذب فقد كذب في نوع الوحي أهـ
التحذير من الكذب:
ورد الوعيد الشديد لمن يفتري هذا الكذب فعن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله ﷺ : { إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه , أو يري عينه ما لم تر , أو يقول على رسول الله ﷺ ما لم يقل }، وخص الكذب في الرؤية بحديث في الصحيح وهو ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ.
ولم يقل في الحديث: إن من أفرى الكذب وإنما قال: من أفرى الفرى، والفرى جمع فرية، والفرية هي الكذبة العظيمة، قال ابن بطال: الفرية الكذبة العظيمة التي يتعجب منها.
حكم الكذب في المنام:
عاقب اللهُ من تحلم بحلم لم يره بالمستحيل يوم القيامة أخرج البخاري عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: (من تحلَّم بحلم لم يره كلِّف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل، …) والمقصود (يعقد بين شعيرتين) أي: يفتل إحداهما بالأخرى، والشعيرتين تثنية شعيرة، وهذا من التعذيب لأنه لا يتصور أن يقوم بهذا، والتعبير بالعقد بين شعيرتين أنه عقد في حياته واختلق كلاما لا أصل له وأخذ يجمعه على نحو يوهم السامع منه الصدق، والمستمع له مصدق، وهو له كاذب فلذلك عوقب بهذه العقوبة التي يشتم منها ديمومة العذاب؛ لأنه مكلف بعمل المستحيل، ولا نجاة له إلا بعمله، وهو لن يعمله إلا أن يتداركه الله برحمة منه وفضل وعفو.
قال الجزري في النهاية:
قوله: من تحلم كلف أن يعقد بين شعيرتين أي قال: إنه رأى في النوم ما لم يره … فإن قيل: إن كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته فلم زادت عقوبته ووعيده وتكليفه عقد الشعيرتين؟
قيل: قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة والنبوة لا تكون إلا وحياً والكاذب في رؤياه يدعي أن الله تعالى أراه ما لم يره وأعطاه جزءاً من النبوة لم يعطه إياه. والكاذب على الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه انتهى.