لقد قرر مجمع الفقه الإسلامي الدولي أن القيد المصرفي له حكم القبض الحسي، كما قرر المجمع أنه يغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل .
وهذا نص قرار المجمع :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع:
القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر :
أولاً: قبض الأموال كما يكون حسياً في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حساً، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها.
ثانياً: أن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً:
1) القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
أ – إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
ب ـ إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
ج ـ إذا اقتطع المصرف ـ بأمر العميل ـ مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر. وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل. على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
2) تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه، وحجزه للمصرف.انتهى.
البيع والشراء والتقابض؟
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
الأصل الشرعي في بيع النقود وشرائها بعضها ببعض: أن تكون يدًا بيد، كما صح ذلك في الحديث، عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في بيع الأصناف الستة المعروفة بعضها ببعض.
ومن هنا لا يصح التأجيل في عقود بيع النقود، بل لابد من التقابض في المجلس، كما في حديث ابن عمر: “أن تنصرفا وليس بينكما شيء”.
غير أن القبض يخضع للعرف، وقبض كل شيء بحسبه. والشرع قد ترك تحديد كثير من الأشياء لعرف الناس، كما ذكر ذلك الإمام ابن قدامة وغيره، ومنها القبض في البيع.
فما دام القبض الفوري عرفًا لا يتم إلا بالطريقة التي ذكرتها، ويفترق عن البيع الآجل، فإن المعني الشرعي للقبض يصبح متحققًا، وتجري عليه الأحكام المرتبة شرعًا.. ومع تحقق القبض تبعًا للضرورة العصرية، فإن الضرورة تقدر بقدرها، ولهذا لا يجوز للمصرف الإسلامي بيع ما اشتراه إلا بعد القبض الفعلي العرفي. انتهى.
الصرف والتحويل القائم على القرض؟
جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي :
هناك حاجة ملحة لتحويل النقود من بلد إلى آخر بعد إجراء عقد صرف بين شخص وصرَّاف، كالحوالات التي يجريها العاملون في الخليج إلى حساباتهم الجارية في مصرف (بنك) في بلدانهم، أو إلى ذويهم أو أقاربهم. وكالحوالات التي يقوم بها أولياء الطلاب إلى أولادهم في البلدان الأجنبية، ونحو ذلك مما تجريه البنوك أو الصيارفة من الحوالات الداخلية والخارجية. والحوالات الخارجية يتم فيها عادة مبادلة نقد بنقد آخر يتم قبضه في البلد التي يحول إلىها المبلغ.
فهل هذا عمل مشروع أو لا؟
يلاحظ أن بيع النقود الورقية يأخذ حكم النقدين ـ الذهب والفضة، كما قررت المجامع الفقهية المعاصرة وهيئات كبار العلماء، طبقاً لأحكام الشريعة. ويحرم تحويل عملة إلى عملة أخرى بالمؤجل دون تقابض في مجلس العقد، سواء أكانت هناك زيادة أم لا، لأن ذلك ربا نسيئة، فلا يحل بيع النقود مع التأجيل، بسعر مماثل أو بسعر أكثر.
وبناء على هذا يجب أن يتم عقد الصرف منجزاً مع البنك أو الصراف دون تأجيل الدفع، وهذا يحدث فعلاً؛ لأن الصراف مستعد لتسليم العوض في مجلس العقد، ولكن لا يتم القبض الفعلي لعوض أو بدل الصرف، ويقوم مقامه قبض حكمي، لا ينقصه سوى القبض الصوري والإعادة فوراً، ثم يعقبه إبرام عقد آخر منفصل وهو تحويل المبلغ إلى بلد آخر، ويكون ذلك على أساس عقد القرض، ويجوز عند الإمام مالك خلافاً لجمهور الفقهاء ـ كما سيأتي في بحث القرض ــ اشتراط الأجل في القرض، أي تعيين مدة سداد بدل القرض.
وقد بينت في الحالة الثانية من حالات المقاصة في عقد الصرف: أنه يجوز أن يستقرض بائع الدينار عشرة دراهم من المشتري ويتسلمها بالفعل، فتقع المقاصة بثمن الصرف جبراً على المتصارفين، وإن لم يتراضيا على المقاصة؛ لأنه وجد القبض من المتصارف فعلاً.
ويتم التعبير عن هذا القرض بتسليم المقرض وَصْلاً (وثيقة) يثبت حقه في بدل القرض، ويكون المقترض وهو الصراف أو البنك ضامناً لبدل القرض، ولكنه يأخذ أجراً أو عمولة على تسليم المبلغ في بلد آخر مقابل مصاريف الشيك أوأجرة البريد أو البرقية أو التلكس فقط، لتكليف وكيل الصراف بالوفاء أو السداد.
وهذان العقدان: الصرف والتحويل القائم على القرض هما الطريقان لتصحيح هذا التعامل، فيما يبدو لي.