روى الحاكم وصححه وابن حبان في صحيحه أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “لا يردُّ القدر إلا الدعاء، ولا يَزيد العُمْرَ إلا البِرُّ…” ورواه الترمذي وقال: حسن غريب، أي رواه راوٍ واحدٌ فقط ـ وجاء في حديث البزار والطبراني والحاكم ” لا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء يَنزل فيلقاه الدعاء فيَعْتَلِجَان إلى يوم القيامة” ومعنى يعتلجان: يتصارعان ويتدافعان.
قال العلماء في هذا: إن القضاء نوع من علم الله تعالى بما سيكون عليه حال العبد قبل خلقه، ومنه قضاء مُبْرَم لا بد من وقوعه لا يدفعه ولا يرفعه شيء، ومنه قضاء معلَّق في وقوعه أو رفعه على شيء، فالموت مثلاً لا بد مُبْرَم لا بد منه ولا يدفعه شيء، وطول العمر قضاء معلق على فعل، مثل صلة الرحم وعمل خير آخر، كما في حديث: “مَن سرَّه أن يُبْسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصلْ رحمه” رواه أحمد وغيره.
ومن هذا النوع المعلق أن يعلم الله سبحانه أن شيئًا سيحصل للعبد عند دعائه، وأن مرضًا سيُصيبه لا يبرأ منه إلا بالدعاء والعلاج، فكل حركاتِ العبْد والكوْن معْلومة مكشوفة لله تعالى، ولكنَّها مُغَيَّبة عنَّا، ولذلك أمرنا بطاعته، ومن الطاعة الدعاء الذي يؤكد الإنسان فيه إيمانه بضعفه وحاجته إلى الله، وقد عبَّر عن هذا في الحديث بأنه العبادة أو مخ العبادة، فإذا حصل الدعاء وتم ما أراد الله كانت إرادته مرتبطة بدعاء العبد كما عَلِمَها من قبل، وما دام القضاء مغيَّبًا عنَّا فعلينا امتثال أمر الله في الدعاء، وغيره، ولو علمنا ما قُدر لنا ما كان هناك معنى للتكليف ولركدت حركة الحياة.