من المعلوم أن القراءة المشهورة عندنا في المشرق العربي هي قراءة حفص عن عاصم . وهي التي طبعت عليها المصاحف التي نقرؤها . وهذه هي القراءة المشهورة في الهند وباكستان أيضًا – على ما نعلم – فكان مقتضى ذلك أن تضبط الكلمة بفتح الضاد في المصحف الهندي، ما دامت قراءة عاصم بالفتح، والجميع هنا وفي الهند يأخذون بقراءة عاصم برواية تلميذه حفص . فكيف جاء الضم ؟ والذي يرجع لكتب القراءات . مثل كتاب ” القراءات السبع ” لأبي عمرو الداني . و” النشر في القراءات العشر ” لابن الجزري، يعرف السر في مخالفة المصحف الهندي للمصاحف الأخرى المتداولة.
فقد روي عن حفص أنه اختار الضم في الآية خلافًا لشيخه عاصم، لحديث روي عن ابن عمر مرفوعًا في ذلك . وجاء عن حفص أنه قال: ” ما خالفت عاصمًا في شيء من القرآن إلا في هذا الحرف “.

قال ابن الجزري: وقد صح عنه – أي حفص – الفتح والضم جميعًا . ونقل عن الحافظ أبي عمرو الداني قوله: واختياري في رواية حفص .. الأخذ بالوجهين: بالفتح والضم، فأتابع بذلك عاصمًا على قراءته، وأوافق حفصًا على اختياره.
قال بن الجزري: قلت: وبالوجهين قرأت، وبهما آخذ. (النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، بمراجعة الشيخ علي محمد الضباع شيخ المقارئ المصرية جـ 2، ص: 345، 346 مطبعة مصطفى محمد بمصر).

وبهذا نعلم أن المصحف الهندي لم يخرج عن قراءة حفص، وإن خالف بذلك عاصمًا شيخه، ولعل الذي رجح ذلك لدى إخواننا الهنود أن الضم لغة قريش، وللغة قريش فضلها، وأن حديثًا مرفوعًا جاء بهذه القراءة، أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، عن عطية العوفي قال: قرأت على ابن عمر: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة . ثم جعل من بعد قوة ضعفًا ..) فقال: (الله الذي خلقكم من ضُعف ثم جعل من بعض ضُعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضُعفًا ..) ” ثم قال: ” قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأتَ علي فأخذ عليَّ،، كما أخذتُ عليك .

والحديث إسناده ضعيف، وإن حسنه الترمذي . لضعف عطية العوفي (انظر الحديث 5227 من ” المسند ” بتحقيق وشرح الشيخ أحمد شاكر . جـ 7 ص: 177، 178) والقراءتان ثابتتان بالتواتر المستيقن، ولا اعتراض على واحدة منهما.
والحمد لله، لم يوجد كتاب في الوجود نال من العناية والرعاية والتدقيق – حتى في ضبط حروفه وكلماته، وفي طريقة نطقها وتلاوتها، ومقدار مدها أو غنها، معشار ما ناله كتاب المسلمين: كتاب الله، القرآن المجيد: (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون).