أولا – القرآن الكريم نزل باللغة العربية في الحجاز، بلغة الحجاز، ونعني بكلمة لغة الحجاز أنها في وسط الجزيرة عند قوم عُرفوا بالبلاغة والفصاحة وجودة القول، وكلمة قرآن ما عرفها العرب قبل نزول القرآن، ولم تجد في أشعارهم بكل ما فيها من فصاحة ولا في معلقاتهم كلمة قرآن مطلقا، ولا عهد لهم بها.
ثانيا – أنه جاء يتحدى العرب تارة بسورة أو ببعض سورة أو عشر سور أو مثل القرآن، ولو استطاع العرب أن يردوا ولو بآية لوجدوا ضالتهم، خذ مثالا “عمرو بن العاص يوم كان كافرا ذهب إلى نجد والتقى بمسيلمة، وسأله من أين أنت؟ قال من مكة؟ قال له ماذا أنزل على صاحبكم اليوم؟ قرأ عليه “والعصر إن الإنسان لفي خسر… “، وسكت مسيلمة برهة، ثم قال: وأنا الآن أنزل علي مثل هذا، فقال له عمرو وهو كافر وقتها هات وأسمعنا، قال مسيلمة: “يا وبر يا وبر، لك ذيل وقصر، وأذنان وصدر”، فقال عمرو: ويحك يا مسيلمة ذاك يأمرنا بمكارم الأخلاق، وأنت تصف لنا دويبة.
ثالثا – ثم إن الوليد جلس يستمع للرسول ﷺ وقال قولته الشهيرة التي ملخصها: والله ما هو من قول البشر، وإن عليه لطلاوة، وإن له لحلاوة، وإن أعلاه لمغدق…
رابعا – حدثنا القرآن عن أمور يكتشفها العلم الحديث الآن مثل:
قوله تعالى: “يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة”.
وفي آية أخرى قوله تعالى: “أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه… “، وهذا لأن بصمات الإنسان لا تشبه بعضها بالمرة كما أخبرنا العلم الحديث.
وغير ذلك أن القرآن الذي شرع النظم الاجتماعية التي أقيمت بها دول، وهي ما زالت تجل وتحترم عند الصديق والعدو على حد سواء، فالقضايا التشريعية التي خدمت الإنسان أينما كان في حياته ومماته وفي مجتمع وحتى قيام الساعة، الدول الوضعية تغير دستورها كل عدة سنوات، فهل فكر المسلمون أن يغيروا شيئا أو قالوا إن هذا لا يصلح؟؟ لا أبدا.
إذن ما تضمنه القران من إعجاز تشريعي وبلاغي وعلمي قطع على كل قائل مقولته، ولو استطاع الغرب بما يحمل للإسلام أن ينتقص القران لما تردد، وآخر ما أقول في هذا منذ فترة طويلة من الزمن قال أحد وزراء بريطانيا: لن نستطيع قهر المسلمين ما داموا يتمسكون بهذا ألا وهو القرآن. ونظن أن هذا يكفي لمن أراد الحق للحق.
ما هي الأدلة القاطعة بأن القرآن هو كلام الله
-مما يدل على إعجاز القرآن الكريم أن الله قد تحدى به المشركين، فعجزوا عن الإتيان بمثله، مع أنه مركب من الحروف التي تتكوَّن منها لغتهم، فقال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23]، فإذا عجزتم عن ذلك – وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة – فقد علمتم أن غيركم أعجز منكم عن الإتيان به، ثم أعلنالله تعالى في تحد إلى يوم القيامة: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].
-يقول القرآن الكريم بشأن المعركة التي دارت بين الفرس والروم، والتي هُزمت فيها الروم: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الروم: 2 – 6]، وهنا يتعجب الإنسان: “كيف لمحمد أن يتنبأ بنتيجة معركة حربية سوف تحدث بعد بضع سنوات؟ “على الرغم من أن الروم حينها – كما يقول التاريخ – كانت في أشد حالات الضَّعف والانهيار بعد تلك الهزيمة“، وما الذي يجعله يَخوض في مثل هذه الأمور الغيبية، ويُغامر بقضية الدين كلها دون أن يُطْلَب منه ذلك؟ بل ويؤكد أن ذلك سوف يحدث عندما قال: ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الروم: 6].
-ويقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ويقول الله تعالى عن القرآن: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، فمن يَجرؤ من البشر أن يقول هذا الكلام بهذا اليقين، ثم يفي بما وعد – بالحرف الواحد – غير الملك جل جلاله.
-يقول الله تعالى لنبيِّه محمد: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، كان المسلمون – قبل نزول هذه الآية – يَمشون حول رسول الله في كل مكان ينتقل إليه، خوفًا عليه من اليهود “قتلة الأنبياء”، لدرجة أنهم كانوا يتناوبون في حراسة بيته – كل ليلة – وهو نائم، فلما نزلت هذه الآية ليلاً، طلب من أصحابه الانصراف، فلما سألوه عن السبب، قال لهم: “قد عصمني الله”، فيستحيل أن يصدر هذا الفعل إلا من إنسان واثق بوعد ربه له.
-من الأمور المستقبلية التي أخبر عنها القرآن: قول الله تعالى – مبشرًا نبيه بالعودة إلى مكة : ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 27].