التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي له ميزاته الخاصة التي تقوم على الأسس الشرعية بينما يعتبر التأمين التجاري التقليدي من إفرازات النظام الرأسمالي القائم على الربا والغرر المفسد للعقد. والفرق بينهما فرق جوهري مفصلي، والواجب على المسلمين التعامل بالتأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
يقول الدكتور حسام عفانه- أستاذ الفقه وأصوله- بجامعة القدس بفلسطين:
“التأمين الإسلامي هو اتفاق أشخاص يتعرضون لأخطار معينة على تلافي الأضرار الناشئة عن هذه الأخطار، وذلك بدفع اشتراكات على أساس الالتزام بالتبرع، ويتكون من ذلك صندوق تأمين له حكم الشخصية الاعتبارية، وله ذمة مالية مستقلة، (صندوق) يتم منه التعويض عن الأضرار التي تلحق أحد المشتركين من جراء وقوع الأخطار المؤمن منها، وذلك طبقاً للوائح والوثائق. ويتولى إدارة هذا الصندوق هيئة مختارة من حملة الوثائق، أو تديره شركة مساهمة بأجر تقوم بإدارة أعمال التأمين واستثمار موجودات الصندوق.وأما التأمين التقليدي فهوعقد معاوضة مالية يستهدف الربح من التأمين نفسه، وتطبق عليه أحكام المعاوضات المالية التي يؤثر فيها الغرر” كتاب المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 436.
وحكم التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي هو الجواز وفقاً للضوابط الشرعية، وقد أفتى بجوازه عدد كبير من علماء العصر وعدد من المجامع الفقهية والهيئات العلمية الشرعية، كالمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي وهيئة كبار العلماء في السعودية والمؤتمر الأول للاقتصاد الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة سنة 1396هـ والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث.
وأما التأمين التجاري أو التقليدي فهو محرم شرعاً عند أكثر العلماء المعاصرين، وصدرت قرارات شرعية بتحريمه عن المجمع الفقهي الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وعن هيئة كبار العلماء في السعودية، وعن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي وغيرها.[
وأما التكييف الفقهي للتأمين الإسلامي فيقوم على أساس الالتزام بالتبرع من المشتركين لمصلحتهم، وحماية مجموعهم بدفع اشتراكات يتكون منها صندوق التأمين الذي تديره هيئة مختارة من حملة الوثائق، أو تديره الشركة المساهمة المرخص لها بممارسة خدمات التأمين، على أساس الوكالة بأجر، وتقوم الهيئة المختارة من حملة الوثائق أو الشركة باستثمار موجودات التأمين على أساس المضاربة أو الوكالة بالاستثمار. وتختص الشركة المساهمة المديرة للتأمين برأس مالها وعوائده، والأجر الذي تأخذه عن الوكالة، ونسبتها المحددة من الربح المحقق عن استثمار موجودات التأمين على أساس المضاربة، أو الأجر المحدد على أساس الوكالة بالاستثمار، وتتحمل الشركة جميع مصروفاتها الخاصة بأعمالها، ومن تلك المصروفات مصروفات استثمار موجودات التأمين. ويختص صندوق حملة الوثائق بالاشتراكات وعوائدها وما يتم تكوينه من مخصصات واحتياطات متعلقة بالتأمين وبالفائض التأميني، ويتحملون جميع المصروفات المباشرة المتعلقة بإدارة عمليات التأمين.
في التأمين الإسلامي ثلاثُ علاقاتٍ تعاقدية:
أ. علاقةالمشاركة بين المساهمين التي تتكون بها الشركة من خلال النظام الأساسي وما يتصل به، هي عقد المشاركة إذا كانت تديره الشركة.
ب. العلاقة بين الشركةوبين صندوق حملة الوثائق هي علاقة الوكالة من حيث الإدارة، أما من حيث الاستثمار فهي علاقة مضاربة، أو وكالة بالاستثمار.
ج. العلاقة بين حملة الوثائق وبين الصندوقعند الاشتراك هي علاقة التزام بالتبرع، والعلاقة بين المستفيد وبين الصندوق عند التعويض هي علاقة التزام الصندوق بتغطية الضرر حسب الوثائق واللوائح.
ويقوم التأمين الإسلامي على المبادئ والأسس الشرعية الآتية التي يجب أن يُنَص عليها في النظام الأساسي للشركة، أو في اللوائح، أو في الوثائق:الالتزام بالتبرع:حيث يُنص على أن المشترك يتبرع بالاشتراك وعوائده لحساب التأمين لدفع التعويضات، وقد يلتزم بتحمل ما قد يقع من عجز حسب اللوائح المعتمدة. قيام الشركة المنظمة للتأمين بإنشاء حسابين منفصلين أحدهما خاص بالشركة نفسها: حقوقها والتزاماتها، والآخر خاص بصندوق (حملة الوثائق) حقوقهم والتزاماتهم.الشركة وكيلة في إدارة حساب التأمين، ومضاربة أو وكيلة في استثمار موجودات التأمين. يختص حساب التأمين بموجودات التأمين وعوائد استثماراتها، كما أنه يتحمل التزاماتها.يجوز أن تشتمل اللوائح المعتمدة على التصرف في الفائض بما فيه المصلحة حسب اللوائح المعتمدة مثل تكوين الاحتياطيات، أو تخفيض الاشتراكات، أو التبرع به لجهات خيرية، أو توزيعه أو جزء منه على المشتركين على أن لا تستحق الشركة المديرة شيئاً من ذلك الفائض. صرف جميع المخصصات المتعلقة بالتأمين، والفوائض المتراكمة في وجوه الخير عند تصفية الشركة. أفضلية مشاركة حملة الوثائق في إدارة عمليات التأمين من خلال إيجاد صيغة قانونية مناسبة لممارسة حقهم في الرقابة، وحماية مصالحهم، مثل تمثيلهم في مجلس الإدارة. التزام الشركة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في كل أنشطتها واستثماراتها، وبخاصة عدم التأمين على المحرمات، أو على أغراض محرمة شرعاً. تعيين هيئة رقابة شرعية تكون فتاواها ملزمة للشركة، ووجود إدارة رقابة وتدقيق شرعي داخلي.] انظر المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 436-437.
الفرق بين التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي وبين التأمين التجاري أو التقليدي:
الفرق الأول:
-يقوم التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي على فكرة التعاون على البر والتقوى، ودليله من الكتاب قول الله تبارك وتعالى:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ومن السنة حديث رسول الله ﷺ:(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم.
-أما التأمين التجاري التقليدي الربوي فيقوم على فكرة الربح للشركة، ويتمثل هذا الربحفي الفرق بين الاشتراكات المحصلة من العملاء، وبين التعويضات المعطاة لمن أصابهم الضرر.
الفرق الثاني:
-يتضمن عقد التأمين التجاري التقليدي الغرر والجهالة، وهذا غير جائز شرعاً.
-بينما يقوم عقد التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي على التعاون، وهذا جائز شرعاً،أي أن عقد التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، فالأقساط المقدمة من حملة الوثائق في التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي تأخذ صفة الهبة أي التبرع كما في قرار هيئة كبار العلماء.
-أما التأمين التجاري فهو من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية.
الفرق الثالث:
-تقوم شركات التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي باستثمار فائض الأموال وفقاً لصيغ الاستثمار الإسلامية.
-بينما تقوم شركات التأمين التجاري التقليدي باستثمار الأموال وفقاً لنظام الفائدة – الربا- المحرم شرعاً.
الفرق الرابع:
-المؤمِّنون هم المستأمنون في التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي،ولا تستغل أقساطهم المدفوعة لشركة التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي إلا بما يعود عليهم بالخير جميعاً.
-أما في شركة التأمين التجاري فالمؤمِّن هو عنصر خارجي بالنسبة للشركة، كما أن شركة التأمين التجاري تقوم باستغلال أموال المستأمنين فيما يعود عليها بالنفع وحدها.
الفرق الخامس:
-المستأمنون في شركات التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي يُعَدُون شركاء،مما يعطيهم الحق في الحصول على الأرباح الناتجة من عمليات استثمار أموالهم.
-أما في شركات التأمين التجاري فالصورة مختلفة تماماً؛ لأن المستأمنين ليسوا شركاء، فلا يحق لهم أي ربح من استثمار أموالهم، بل تنفرد الشركة بالحصول على كل الأرباح.
الفرق السادس:
-في التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي لا بد أن يُنص في العقد على أن ما يدفعه المستأمن ما هو إلا تبرع، وأنه يدفع القسط للشركة لإعانة من يحتاج إليه من المشتركين.
-أما في التأمين التجاري فلا ترد نية التبرع أصلاً، وبالتالي لا يذكر في العقد. فتاوى التأمين ص91.
الفرق السابع:
-يعتمد التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي على أقساط التأمين المحصلة،وعلى استثمارها في أمور مشروعة تخلو من الربا أو المعاملات المحرمة ويتم دفع التعويضات من ذلك. كما أن شركة التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي لا تتملك أقساط التأمين وإنما تكون ملكاً لحساب التأمين وهو حق للمشتركين، وتقوم شركة التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي بإدارة الحساب نيابة عنهم.
-أما في التأمين التجاري فالأقساط ملك للشركة وحدها.
الفرق الثامن:
-الفائض في التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي يعود إلى مجموع المؤمنينولا يعود إلى شركة التأمين، ولكن شركة التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي تأخذ حصة من الفائض إما باعتبارها وكيلة بأجر أو باعتبارها مضارباً.
-بينما في التأمين التجاري فإن الفائض يعود كله للشركة ولا علاقة للمشتركين به. وانظر غير ذلك من الفروق في بحث التأمين التعاوني للدكتور علي القرة داغي.
وخلاصة الأمر أن التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي له ميزاته الخاصة التي تقوم على الأسس الشرعية بينما يعتبر التأمين التجاري التقليدي من إفرازات النظام الرأسمالي القائم على الربا والغرر المفسد للعقد. والفرق بينهما واضح جلي لمن دقق وحقق، والواجب على المسلمين التعامل بالتأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.