القرآن هو كتاب الله تعالى، الذي أنزله على رسوله وحيا باللفظ والمعنى ، وهو معجِز ومتعبَّد بتلاوته، ولا تجوز روايته بالمعنى، بخلاف السنة فإنها إيحاء بالمعنى، ولفظها من عند الرسول، وغير معجِز ولا مُتعبَّد به لكونه كلام البشر، وتجوز روايتها بالمعنى لمن لا يُخِلُّ به، ولا يَحْرُم مَسُّها ولا قراءتها على المُحدِث.
وأما الفرق بين نوعَي السنة (القدسية والنبوية) فهو أن الأُولَى قد أضيفت إلى الله تعالى لفظًا ، بخلاف غير القدسية فإنها لم تضف لفظًا إلى الله تعالى، وإن كانت وحيًا يُوحَى.
يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق-رحمه الله- :
القرآن هو كتاب الله، تعالى، الذي أنزله على رسوله محمد ـ ﷺ ـ وأوحى به إليه لفظًا ومعنًى بوَاسطة جبريل، عليه السلام، فتَلَقَّفَه جبريل سماعًا من الله، تعالى، ثم بلغه بأمر الله كما سَمِعه إلى رسوله فحفظه الرسول ورواه وأمر بكتابته وبَلَّغَه إلى أمته بلفظه ومعناه كما أمر. بخلاف السنة فإن المُوحَى به فيها إلى الرسول هو المعنى فقط وقد بَيَّنَه ـ ﷺ ـ أوفى بيان وشرحه أبلغ شرح وأصدقه وأوفاه.
وقد أوضح هذا الإمام الجويني بقوله: كلام الله المنزل قسمان:
القسم الأول: قال الله تعالى لجبريل: قل للنبي الذي أنت مرسل إليه: إن الله يقول: افعل كذا وكذا وأمر بكذا وكذا، ففهم جبريل ما قاله ربُّه. ثم نَزَلَ على النبي وقال له ما قال ربه، ولم تَكُنْ العبارة تلك العبارة، كما يقول الملك لمن يَثِقُ به قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع جندك للقتال. فإن قال الرسول يقول لك الملك لا تتهاون في خدمتي ولا تترك الجند يتفرق وَحَثَّهم على المقاتلة، لا ينسب إليه كذب ولا تقصير في أداء الرسالة.
القسم الثاني :قال الله لجبريل اقرأ على النبي هذا الكتاب فنَزَلَ جبريل بكل كلماته وحروفه مُبَلِّغًا لها كما أُمِرَ من غير تغيير كما يكتب الملك كتابًا ويُسَلِّمه إلى أمين. ويقول اقرأه على فلان فهو يقرؤه ولا يُغَيِّر كلمة ولا حرفًا منه ا.هـ.
والقسمان هما القرآن والسُّنَّةكما أفاده الحافظ السيوطي في الإتقان، وقال :إن جبريل أمين الوحي كان يَنزِل بالسُّنَّة كما يَنزِل بالقرآن. ومن هُنا جازت رواية السنة بالمعنى؛ لأن جبريل أَدَّاهَا بالمعنى ولم تَجُز رواية القرآن بالمعنى؛ لأن جبريل أداه باللفظ ولم يُبَحْ له إيحاؤه بالمعنى، والسر فيه أن المقصود من القرآن التعبير بلفظه المنزل والإعجاز به فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه، وأن تحت كل كلمة منه معانيَ لا يُحاط بها كثرةً، فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بكل ما يشتمل عليه وقد أراد الله التخفيف على الأمة حيث جعل المنزَّل عليهم على قسمين: قسم يروونه بلفظه المُوحَى به، وقسم يروونه بالمعنى وهو الأكثر. ولو جُعِلَ كله مما يُروَى باللفظ لَشَقَّ كثيرًا، وبالمعنى لم يُؤمَنْ التبديل والتحريف ا.هـ.
وقريب من هذا قول الزهري حين سُئِلَ عن الوحي:“الوحي ما يوحي به الله إلى نبي من الأنبياء فيثبته في قلبه، فيتكلم به ويكتبه وهو كلام الله تعالى ومنه ما لا يَتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته. ولكنه يُحَدِّث به الناس حديثًا ويُبَيِّن لهم أن الله أمره أن يبينه للناس ويبلغهم إياه” ا.هـ. والأول القرآن والثاني السنة.
فخصائص القرآن أنه وحي باللفظ والمعنى، وأنه كلام الله تعالى وأنه معجِز ومتعبَّد بتلاوته، وأنه لا تجوز روايته بالمعنى، وأنه لا يَمَسُّه إلا المطهرون، بخلاف السنة فإنها إيحاء بالمعنى، ولفظها من عند الرسول، وغير معجِز ولا مُتعبَّد به لكونه كلام البشر، وتجوز روايتها بالمعنى لمن لا يُخِلُّ به، ولا يَحْرُم مَسُّها ولا قراءتها على المُحدِث.
وكذلك اخْتُصَّ القرآن بأنه مُنَزَّل بواسطة جبريل ـ عليه السلام ـ فلا يكون وحيًا مناميًّا ولا إلهامًا، بخلاف السنة، فإن الوحي بها كما يكون بواسطة جبريل كما ذكره الجويني والسيوطي يكون منامًا، كما في حديث معاذ “أتاني رَبِّي فقال فيم يَخْتَصِم الملأ الأعلى” الحديث، ورؤيا الأنبياء وحْي إذ ليس للشيطان سبيل عليهم كما قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ).
وقد يكون إلهامًا بإلقاء معنًى في القلب تقوم الأدلة القاطعة على أنه من عند الله تعالى وقد يكون بسماع كلام الله من غير رؤيته كما في حديث ليلة الإسراء. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). هذه فروق ستة بين القرآن والسنة عامة.
وأما الفرق بين نوعَي السنة (وهي الأحاديث القدسية) نسبة إلى القُدُس بمعنى الطهارة والتنزيه (وسائر الأحاديث النبوية)
فهو أن الأُولَى قد أضافها النبي ـ ﷺ ـ إلى الله، تعالى، لفظًا كما في حديث أبي ذر، رضي الله عنه، عن النبي ـ ﷺ ـ فيما يرويه عن ربه إن الله، تعالى، قال: (يا عبادي إني قد حَرَّمْت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تَظَالَموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستَهدوني أَهدِكم…) الحديث رواه مسلم.
وكما في حديثه الآخر قال: قال رسول الله ﷺ: “يقول الله عَزَّ وجَلَّ: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها، ومن تَقَرَّب منِّي شِبرًا تَقَرَّبْت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، ومن أتاني يَمْشي أتيته هَرْوَلة، ومن لقيني بقُرَاب الأرض (ما يُقَارِب مِلْأَها) خطيئة لا يشرك بي شيئًا لَقِيتُه بمثلها مغفرة) (رواه مسلم)
بخلاف غير القدسية فإنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يضفها لفظًا إلى الله، تعالى، وإن كانت وحيًا يُوحَى، وفرق بعضهم بينهما بأن القدسية ما كانت متعلقة بذات الله وصفاته، وغير القدسية ما كانت متعلقة بغير ذلك كالأحكام والحِكَم والأمثال ونحو ذلك.
وفي (السفينة) للراغب الأصفهاني نقلًا عن المجموعة الحفيدية “فائدة” في الفرق بين الحديث القدسي والقرآن، قال الكَرْماني في أَوَّل كتاب الصوم:”القرآن لفظ مُعْجِز ومُنَزَّل بواسطة جبريل” وهذا ـ أي الحديث القدسي ـ معجِز وبدون الواسطة “أي في كثير من الأحيان” ويُسمَّى الحديث الإلهي والرباني “فإن قُلْتَ” الأحاديث كلها كذلك، كيف وهو لا ينطق عن الهوى “قلتُ” الفرق أن القدسي مضاف إلى الله تعالى مَرْوِيٌّ عنه بخلاف غيره. وقد يُفرَّق بأن القدسي ما يتعلق بتنزيه ذاته وصفاته الجلالية والكمالية. قال الطِّيبي: القرآن هو اللفظ المنزَّل به جبريل على النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ والقدسي إخبار الله بمعناه بالإلهام أو المنام، فأخبر النبي ـ ﷺ ـ بعبارة نفسه، وسائر الأحاديث لم يضفها إلى الله تعالى ولم يَرْوِها عنه اهـ.