هناك فروق دقيقة بين البيع والربا، خفيت على اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة ويتعاملون فيها بالربا، وذلك لفساد عقولهم وسوء طباعهم، فقالوا: لا نجد فرقًا بين البيع والربا.
فأنكر الله عليهم مقولتهم هذه، ووبخهم عليها توبيخًا يليق بهم وبأمثالهم، وبين للمسلمين في كتابه العزيز الفروق الدقيقة بين البيع والربا، وتوعد المتعاملين بالربا بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، وعدَّهم من الكفار الآثمين، وأعلن الحرب عليهم، وهي حرب لا هوادة فيها والويل لمن توعده الله بذلك.
الآية الدالة على تحريم الربا والنهي عنه:
-قال جل شأنه: (الذين يأكلون الربا لا يقوموا إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (البقرة: 275 ـ 279).
الفرق بين البيع والربا:
ومن هذه الآيات من سورة البقرة نستطيع أن نستخلص القواعد التي يعرف من خلالها الفرق بين البيع والربا.
-فالبيع مبني على التراضي، وتبادل المنافع المشروعة بالطرق المشروعة المانعة من وقوع الظلم والغرر.
-والربا على الضد من ذلك، فهو لا يقوم على التراضي بين المتعاقدين، ولكن يوم على استغلال الغني لحاجة الفقير فيكرهه على أن يدفع له أكثر مما أخذ منه لأجل معلوم، فإن عجز عن السداد زاد في الفائدة، وفي هذا من القسوة والظلم ما فيه.
فهو مبني على استغلال فاحش لذوي الحاجات الذين يجب على أصحاب القلوب الرحيمة إعانتهم، وتنفيث كربهم وقضاء حوائجهم، من غير منٍّ ولا أذى، ولما فيه أيضًا من قطع لما أمر الله به أن يوصل، فأولوا الأرحام لهم حقوق أدناها قضاء حوائجهم بقدر الطاقة والوسع، وللفقراء والمساكين حقوق أدناها سد عوزعهم، وستر عوراتهم، وإشباع بطونهم، وللمسلم بوجه عام على أخيه المسلم حقوق أدناها أن يكون رحيمًا به، عطوفًا عليه، محسنًا إليه، ولو بالقليل من ماله وجهده.
-ولا شك أن التعامل بالربا يعتبر فوق ما ذكرنا تعطيلاً للمال الذي ينبغي أن يستغل في رفع الإنتاج، وتشغيل العاملين، وهو ربح بلا مقابل، وبلا مبرر يقتضيه.
ومن هنا كان المرابي من أسوأ الناس حالاً، وأتعسهم حظًّا، وأخبثهم طبعًا ووضعًا في الدنيا، وأسوأهم مآلاً في الآخرة، فهو يعيش في الدنيا ذليلاً كئيبًا يبغضه من يعرفه ومن لا يعرفه من الناس، ويلعنه أهل السماء وأهل الأرض، ويعيش فقيرًا مهما كثر ماله، ويموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله ـ تعالى ـ ،وتعلوه قترة يعرف بها، وإنك لو كنت من أهل الفراسة لعرفت حاله من وجهه ومن نظراته وحركاته، فهو يتصرف كالمجنون، وينظر إلى الناس نظر المغشي عليه من الموت، ويشعر دائمًا بالغربة وهو في بلده، ويجد في نفسه حرجًا شديدًا من ملاقاة الناس، ويشعر بأن نظرات الناس إليه سهام مسلطة عليه تنفذ إلى قلبه، فتضيق مسالكه مما يجعل أنفاسه تحتبس حتى ليكاد يختنق من الجو الذي وضع نفسه فيه، وما كان أغناه عن ذلك لو كف عن هذا الإجرام المبالغ غاية الخطورة، وأطاع الله فيما أمره، فأكل حلالاً طيبًا، وعمل عملاً صالحًا يقربه من الله ـ تعالى ـ ويبعده عن سخط الناس ومقتهم، ويجنبه ما يصيب أمثاله من المرابين الذين لم يعلنوا توبتهم إلى ربهم بعد، ولم يصححوا سيرهم في هذه الحياة الدنيا طمعًا في الآخرة، وهي خير وأبقى لأهل التوبة والتقى.