إذا كان العمل مشروعا ، ويتقاضى الشخص عليه أجرا مشروعا فلا يضره ما تقوم به الشركة من إيداع لأموالها في البنوك الربوية فقد كان النبي ﷺ وصحابته يعاملون اليهود المرابين معاملات مشروعة، ويقبضون عليها أجورا مشروعة ، ولم يكن يضرهم أن في أموالهم حراما.
ويبقى الحرام على من يقوم بالإيداع في البنوك الربوية أو يشارك فيه ، أو يساعد فيه، والموظف في العمل المشروع ليس شريكا في الشركة حتى يطاله شيء من الربح الحرام، والمهم أن لا يكون مساعدا لهم بوجه من الوجوه في عملية الإيداع الربوي.
والعمل في البنك الإسلامي حلال؛ لأنه لا يمارس أنشطة محرمة.
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني:-
إذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال كالسلطان و الظالم والمرابي ، فإن علم أن المبيع من حلال ماله فهو حلال وإن علم أنه حرام فهو حرام ; لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان ملكه ، فإن لم يعلم من أيهما هو كرهناه لاحتمال التحريم فيه ، ولم يبطل البيع ; لإمكان الحلال ، قل الحرام أو كثر ، وهذا هو الشبهة ، وبقدر قلة الحرام وكثرته تكون كثرة الشبهة وقلتها ، قال أحمد : لا يعجبني أن يأكل منه .
وذهب بعض الفقهاء ومن بينهم الغزالي إلى أنه يحرم التعامل مع من غالب ماله من الحرام .
وقال العز بن عبد السلام في معاملة من اعترف بأن أكثر ماله حرام : إن غلب الحرام عليه بحيث يندر الخلاص منه لم تجز معاملته ، مثل أن يقر إنسان بأن في يده ألف دينار كلها حرام إلا دينارا واحدا ، فهذا لا تجوز معاملته بدينار لندرة الوقوع في الحلال ، كما لا يجوز الاصطياد إذا اختلطت حمامة برية بألف حمامة بلدية ، وإن عومل بأكثر من الدينار أو اصطيد بأكثر من حمامة فلا شك في تحريم ذلك .
وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة كما لو اختلطت أخته من الرضاع بألف امرأة أجنبية ، أو اختلطت ألف حمامة برية بحمامة بلدية فإن المعاملة صحيحة جائزة لندرة الوقوع في الحرام ، وكذلك الاصطياد . ثم قال : وبين هاتين الرتبتين من قلة الحرام وكثرته مراتب محرمة ومكروهة ومباحة .
وضابطها: أن الكراهة تشتد بكثرة الحرام وتخف بكثرة الحلال ، فاشتباه أحد الدينارين بآخر سبب تحريم بين ، واشتباه دينار حلال بألف دينار حرام سبب تحريم بين ، وبينهما أمور مشتبهات مبنية على قلة الحرام وكثرته بالنسبة إلى الحلال ، فكلما كثر الحرام تأكدت الشبهة ، وكلما قل خفت الشبهة ، إلى أن يساوي الحلال الحرام فتستوي الشبهات .