يجوز شرعا أن يقبل الرجل زوجته أثناء الصيام، وأن يغازلها، وأن يحتضنها، بل ويجوز له أن يلامس جسمها بجسمه دون جماع فهذا كله جائز في نفسه.
ولكن إذا كان الزوج يخشى أن لا يملك نفسه، ويخشى أن تزيد شهوته فيقع في الجماع فحينئذ لا يكون له أن يفعل ما يكون وسيلة إلى ذلك .
وكذلك إذا كانت الزوجة ضعيفة تخشى أن لا تملك نفسها فليس لها أن تعرض نفسها لذلك.
والراجح أن مدار ذلك على طبيعة الشخص وليس بالسن فقد كان النبي ﷺ يقبل عائشة وهي في ريعان شبابها،وكل إنسان أدرى بنفسه.
وليحذر الزوجان أثناء القبلة من أن يبتلع أحدهما ريق صاحبه فإن هذا يبطل الصيام .
الممنوع بين الزوجين في نهار رمضان:
2- ابتلاع الريق.
3- تعمد إنزال المني ولو بغير جماع على مذهب الجمهور ، وفي المسألة خلاف.
4- ما يمكن أن يؤدي إلى واحدة من هذه الثلاث، وهذا يعرفه كل شخص من نفسه.
هل تقبيل الزوج زوجته يبطل الصيام:
وقد قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله ﷺ يُقَبِّل ويُباشِر وهو صائم وكان أملككم لأربه (متفق عليه). أي لشهوته.
وعن عمر بن أبي سلمة: أنه سأل رسول الله ﷺ :أيُقَبِّل الصائم؟ فقال: ” سل هذه لأم سلمة” فأخبرته أن النبي ﷺ يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله ﷺ:” والله إني أتقاكم لله وأخشاكم له” (رواه مسلم، وعمر بن أبي سلمة هذا هو الحميري، وليس هو ابن أم سلمة).
وعن عمر رضي الله عنه، قال: هششت يومًا، فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي ﷺ، فقلت: إني صنعت اليوم أمرًا عظيمًا: قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله ﷺ: ” أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ ” قلت: لا بأس بذلك، قال ” ففيم؟ ” (رواه أبو داود).
ومن السلف من رخَّص في القُبلة للشيخ الكبير دون الشاب كما روى ابن ماجه عن ابن عباس: رُخِّص للكبير الصائم في المباشرة، وكُرِه للشاب. وظاهره أنه مرفوع.
ورواه مالك والشافعي والبيهقي بأسانيدهم الصحيحة عن عطاء بن يسار: أن ابن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب. هكذا رواه أبو داود موقوفًا عن ابن عباس (ذكر ذلك النووي في المجموع -354/6).
وعن أبي هريرة: أن رجلاً سأل النبي ﷺ عن المباشرة للصائم فرخَّص له، وأتاه آخر فنهاه. هذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب. رواه أبو داود بإسناد جيد ولم يضعفه، وعن ابن عمرو بن العاص قال :كنا عند النبي ﷺ، فجاء شاب فقال: يا رسول الله، أقبل وأنا صائم؟ فقال: “لا” فجاء شيخ فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال: “نعم” رواه أحمد بن حنبل بإسناد ضعيف من رواية ابن لهيعة (قاله النووي في المجموع أيضًا، وصححه الشيخ شاكر في تخريجه للمسند، بناء على توثيقه لابن لهيعة بإطلاق).
وعن الأسود قال: قلت لعائشة: أيباشر الصائم؟ قالت: لا، قلت: أليس كان رسول الله ﷺ يباشر؟ قالت: كان أملككم لأربه. رواه البيهقي بإسناد صحيح (المجموع -355/6).
وهذا هو الضابط عندي: أن يملك أربه، ويقدر على ضبط نفسه، وإن كان شابًا، فكم من شيخ لا يملك نفسه!. انتهى .
وقال الشوكاني بعد أن ساق حديث تقبيل النبي ﷺ لعائشة :-
فيه دليل على أنه يجوز التقبيل للصائم ولا يفسد به الصوم . قال النووي : ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا إن أنزل بها ولكنه متعقب بأن ابن شبرمة أفتى بإفطار من قبل . ونقله الطحاوي عن قوم ولم يسمهم , وقد قال بكراهة التقبيل والمباشرة على الإطلاق قوم وهو المشهور عند المالكية . وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة . ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمهما , وأباح القبلة مطلقا قوم .
قال في الفتح وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة ، قال سعيد ، وسعد بن أبي وقاص ، وطائفة وبالغ بعض الظاهرية فقال : إنها مستحبة . وفرق آخرون بين الشاب والشيخ , فأباحوها للشيخ دون الشاب تمسكا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب وما ورد في معناه , وبه قال ابن عباس وأخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما .
وفرق آخرون بين من يملك نفسه ومن لا يملك . واستدلوا بحديث عائشة المذكور في الباب وبه قال سفيان والشافعي , ولكنه ليس إلا قول لعائشة , نعم نهيه ﷺ للشاب وإذنه للشيخ يدل على أنه لا يجوز التقبيل لمن خشي أن تغلبه الشهوة وظن أنه لا يملك نفسه عند التقبيل , ولذلك ذهب قوم إلى تحريم التقبيل على من كان تتحرك به شهوته , والشاب مظنة لذلك . ويعارض حديث أبي هريرة ما أخرجه النسائي عن عائشة قالت : { أهوى النبي ﷺ ليقبلني , فقلت : إني صائمة , فقال : وأنا صائم فقبلني } وعائشة كانت شابة حينئذ , إلا أن يكون حديث أبي هريرة مختصا بالرجال ولكنه بعيد ; لأن الرجال والنساء سواء في هذا الحكم . ويمكن أن يقال : إن النبي ﷺ علم من حال عائشة أنها لا تتحرك شهوتها بالتقبيل . وقد أخرج ابن حبان في صحيحه { أنه ﷺ كان لا يمس شيئا من وجهها وهي صائمة } فدل على أنه كان يجنبها ذلك إذا صامت تنزيها منه لها عن تحرك الشهوة لكونها ليست بمثله . وقد دل حديث عمرو بن أبي سلمة الذي رواه مسلم ، وهو – أنه { سأل رسول الله ﷺ : أيقبل الصائم ؟ فقال له : سل هذه لأم سلمة , فأخبرته أن رسول الله ﷺ يفعل ذلك , فقال : يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر , فقال له : أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له } – على جواز التقبيل للصائم من غير فرق بين الشاب وغيره . وحديث أبي هريرة أخص منه فيبنى العام على الخاص . واحتج من قال بتحريم التقبيل والمباشرة مطلقا بقوله تعالى : { فالآن باشروهن } قالوا : فمنع من المباشرة في هذه الآية نهارا .
وأجيب عن ذلك بأن النبي ﷺ هو المبين عن الله تعالى , وقد أباح المباشرة نهارا فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية : الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها , وغاية ما في الآية أن تكون عامة في كل مباشرة مخصصة بما وقع منه ﷺ وما أذن به.
والمراد بالمباشرة المذكورة في الحديث ما هو أعم من التقبيل ما لم يبلغ إلى حد الجماع فيكون قوله : ” كان يقبل ويباشر ” من ذكر العام بعد الخاص , لأن المباشرة في الأصل التقاء البشرتين – أي تلامس الجسمين دون جماع-. ووقع الخلاف فيما إذا باشر الصائم أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى , فقال الكوفيون والشافعي : يقضي إذا أنزل في غير النظر , ولا قضاء في الإمذاء . وقال مالك وإسحاق : يقضي في كل ذلك ويكفر إلا في الإمذاء فيقضي فقط.
واحتج له بأن الإنزال أقصى ما يطلب في الجماع من الالتذاذ في كل ذلك . وتعقب بأن الأحكام علقت بالجماع فقط . وروى ابن القاسم عن مالك أنه يجب القضاء على من باشر أو قبل فأنعظ , أنزل أو لم ينزل , أمذى أم لم يمذ , وأنكره غيره عن مالك . وروى عبد الرزاق عن حذيفة أن من تأمل خلق امرأة وهو صائم بطل صومه . قال في الفتح : وإسناده ضعيف . قال : وقال ابن قدامة , إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف , كذا قال وفيه نظر , فقد حكى ابن حزم أنه لا يفطر ولو أنزل وقوى ذلك وذهب إليه .
وفي الباب عن عائشة عند أبي داود { أن النبي ﷺ كان يقبلها ويمص لسانها } قال الحافظ : وإسناده ضعيف , ولو صح فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه الذي خالطه ريقها . وعن رجل من الأنصار عند عبد الرزاق بإسناد صحيح { أنه قبل امرأته وهو صائم , فأمر امرأته فسألت النبي ﷺ عن ذلك فقال : إني أفعل ذلك , فقال زوجها : رخص الله لنبيه أشياء , فرجعت فقال : أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم } وأخرجه مالك لكنه أرسله . انتهى.