المنتحر إن لم يستحل قتل نفسه فهو مسلم عاص تجوز الصلاة عليه ، وإن كرهها بعض الفقهاء ، وأما إن استحل الانتحار فلا تجوز الصلاة عليه لأنه يكون قد مات مرتدا ، ولكن يشترط التأكد من اعتقاده ذلك.
يقول الشيخ عطية صقر، من كبار علماء الأزهر الشريف، رحمه الله :
صلاة الجنازة فرض كفاية على كل من مات مسلمًا حتى لو كان عاصيًا، ولا تجوز على الكافر ولا على المرتد، ومن الردة استحلال ما حرَّمه الله تحريمًا قاطعًا، والانتحار محرَّم قطعًا، بالقرآن والسنة قال تعالى: (ولا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (سورة النساء : 29) وبين النبي ـ ﷺ ـ في الحديث الصحيح أنَّ مَن قتل نفسه بحديدة أو سم أو إلقاء مِن مكان عال فهو يُعذَّب في النار خالدًا فيها أبدًا على الطريقة التي قَتَل بها نفْسه.
وإذا علمنا من المنتحر بكلامه أو بورقة مكتوبة بخطه مثلاً أنه يَستَحِلُّ الانتحار كان مرتدًا، ولا يُصلَّى عليه ولا يُدفَن في مقابر المسلمين. وإن لم نَعلم فنَحمل أمره على الظاهر وهو الإسلام، ونُصلِّي عليه ونَدفِنه في مقابر المسلمين.
والحديث المذكور محمول على من استحل الانتحار، فهو مخلد في النار، أو محمول على التغليظ والتنفير كما جاء فيمن قَتَل مؤمنًا متعمدًا: (ومَنْ يَقْتُلْ مؤمنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِمَيًا) (سورة النساء : 93).
ومما يدل على أن المنتحر الذي لم يَستَحِلَّ الانتحار مؤمن وإن كان عاصيًا ما رواه مسلم أن رجلاً هاجر إلى المدينة فمَرِضَ لعدم ملاءمة جوِّها له فجَزِع فقَطَع مفاصِل أصابِعه فسَالَ دَمُهُ بقوة ومات، فرآه الطفيل الدوسي في المنام في هيئة حسنة مغطيًا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى نبيِّه، فقال: ما لي أراك مغطيًا يديَك؟ قال: قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت، فقصَّ الرؤيا على الرسول ـ ﷺ ـ فدعا له وقال: “اللهم ولِيَدَيْه فاغفر.
يقول النووي في التعليق على هذا الحديث: فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يُقطَع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة، أي في حكم قوله تعالى: (إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (سورة النساء: 48).
يؤخذ من هذا أن المنتحر الذي لم يُعلَم استحلاله للانتحار مؤمن، فيُصلَّى عليه صلاة الجنازة.
لكن ورد نص يَمنَع الصلاة عليه، ففي مسلم عن جابر بن سمرة قال: أُتِيَ النبي ـ ﷺ ـ برجل قَتَلَ نفْسه بمَشاقِصَ ـ سهام عريضة ـ فلم يُصَلِّ عليه. قال العلماء: هذا الحديث محمول على التنفير من الانتحار، كعدم صلاته الجنازة على من عليه دَيْن، وقد صلَّتِ الصحابة على المدِين بأمر النبي ـ ﷺ ـ وذلك للتنفير من الدَّيْن وليس لأنه كافر، وتُكرَه عند مالك الصلاة على المرجوم بحَدٍّ، والفسّاق، وذلك زجْرًا لهم “.صحيح مسلم شرح النووي ج 7 ص 47.
والله تعالى أعلم.