مما لا مراء فيه أن عليًّا من آل البيت ، وهذا أمر لا خلاف فيه مع أحد ، ونحن عندما نصلي على النبي نقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وعلي ـ كما قلنا ـ من آل محمد ، ولكن هل يصلى عليه منفرداً دون ذكر للرسول ؟

فقد اختلف العلماء في هذا فذهب المالكية والشافعية وطائفة من الحنابلة إلى عدم الجواز ، أما باقي الحنابلة فقد أجازوا ذلك ، ورجح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وذلك إذا حسنت النية أما إذا أريد من وراء ذلك مضاهاة علي بالرسول فلا يجوز .

وفي المجلد الأول للفتاوى الكبرى أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد سئل عن رجل قال في علي ابن أبي طالب رضي الله عنه : إنه ليس من أهل البيت ، ولا تجوز الصلاة عليه، والصلاة عليه بدعة ؟

فأجاب (رحمه الله ) قائلاً :
أما كون علي بن أبي طالب من أهل البيت ، فهذا مما لا خلاف بين المسلمين فيه ، وهو أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى دليل ، بل هو أفضل أهل البيت ، وأفضل بني هاشم بعد النبي ، وقد ثبت عن النبي ” أنه أدار كساه على علي وفاطمة وحسن وحسين ، فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم وطهرهم تطهيرا .

وأما الصلاة عليه منفرداً فهذا ينبني على أنه هل يصلَّى على غير النبي على وجه الانفراد منفرداً مثل أن يقول : اللهم صلِّ على عمر أو علي .

وقد تنازع العلماء في ذلك فذهب مالك والشافعي وطائفة من الحنابلة إلى أنه لا يصلى على غير النبي منفرداً ، كما روي عن ابن عباس أنه قال : ” لا أعلم الصلاة تنبغي على أحد إلا على النبي .

وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك ، لأن علي بن أبي طالب قال لعمر ابن الخطاب : صلَّى الله عليك ، وهذا القول أصح وأولى .

ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي كقول الصلاة على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه ، هذا هو البدعة .أهـ

وجاء في كتاب “الأذكار ” للنووي ” :

” أن إجماع مَن يُعْتَدُّ به على جواز الصلاة واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالاً ـ أي يقال مثلاً: موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأما غير الأنبياء فالجمهور أنه لا يُصَلَّى عليهم ابتداء، فلا يقال : أبو بكر ـ ـ. واختُلف في هذا المنع، فقال بعض أصحابنا ـ الشافعية ـ : هو حرام.

وقال أكثرهم : مكروه كراهة تنزيه ـ أي لا عقوبة فيه ـ وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأولى ، وليس مكروهًا.

والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نُهِينَا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا: والمُعتَمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، كما أن قولنا “عز وجل” مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزًا جليلاً، لا يقال: أبو بكر أو علي ـ صلى الله عليه ـ ، وإن كان معناه صحيحًا.

واتفقوا على جعل غير الأنبياء تَبَعًا لهم في الصلاة، فيقال: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أُمِرنا به في التشهد ولم يَزَل السلف عليه خارج الصلاة.

وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا : هو في معنى الصلاة فلا يُستعمل في الغائب، فلا يُفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: عليٌّ عليه السلام، وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطَب به، فيقال: سلام عليك أو سلام عليكم أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مُجْمع عليه . أهـ

ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى – :
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : لا تنبغي الصلاة إلا على النبي ـ ـ ولكن يُدعَى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز.

روى ابن أبي شيبة عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد ، فإن ناسًا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن من القُصّاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي ـ ـ فإذا جاء كتابي فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النبيين، ودعاؤهم للمسلمين عامة.

وهذا مذهب أصحاب الشافعي ولهم ثلاثة أوجه، أنه منع تحريم ، أو كراهة تنزيه ، أو من باب ترك الأوْلى .